للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سؤال الله كرامة من كرامات الأولياء

[السُّؤَالُ]

ـ[من المعلوم أن أولياء الله هم أولئك المؤمنون التقاة الذين يخشون الله ... ومن المعروف أيضا أن هناك بعضا من الأولياء لا يملكون كرامة محسوسة، والبعض الآخر يعطيهم الله إياها.... ولكن أردت أن استفسر إن كان هناك خطأ في أن أطلب الكرامة مباشرة من الله تعالى، مع علمي أن طلب الاستقامة أفضل وأحب إلى الله ... ولكن الغاية المرتجاة منها زيادة الإيمان وفعل الخير بتلك الكرامة، وبنية نشر الدعوة، وما في ذلك من الأعمال الصالحة طبعا، مع مراعاة التستر على هذه الكرامة، وأعود وأؤكد أنني أعلم أن الاستقامة أفضل. وهل يعتبر هذا الدعاء من الأدعية الممنوعة والمستحيلة، وهل يغضب الله من هذا، أقصد هل يعتبر تعديا في الدعاء؟ وما حكم من يتقصى أوقات الدعاء المستجاب، ويبذل جهده ليستجيب الله دعاءه هذا؟ باختصار هل يجوز الدعاء بهذا الدعاء؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

لا نرى حرجا في أن يسأل المسلم ربه أن يكرمه بما يكرم به أولياءه من أمور خارقة للعادة، وذلك لأسباب عدة:

١- لم يرد نهي عن ذلك.

٢- وليست الكرامة مستحيلة الوقوع للمؤمن، بل هي كثيرة يكرم الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بها، ويصيب بها من يشاء منهم، فإذا سأل العبد ربه ذلك لم يسأل ممنوعا، ولم يطلب مستحيلا، فليس على الله ببعيد.

٣- وحديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار، فدعا كل منهم بعمله الصالح أن يفرج الله عنهم الصخرة، ففرجت عنهم، هو من سؤال الله الكرامة الحقيقية، فإن إزاحة الصخرة العظيمة من غير بذل جهد من عصبة من الناس لا يقع إلا على وجه الكرامة. الحديث رواه البخاري (٢٢٧٢) ، ومسلم (٢٧٤٣)

٤- ونحوه حديث الرجل الذي جعل المال في الخشبة، ثم ألقى بها في البحر، وسأل الله تعالى أن يوصلها إلى صاحب الحق الذي استدانه منه. الحديث رواه البخاري معلقا بصيغة الجزم (٢٢٩١)

٥- وقد ذكر اللالكائي في "كرامات الأولياء" مجموعة من الكرامات التي تحققت للصالحين بعد سؤالهم الله عز وجل، ودعائهم بها، مثل دعاء العلاء بن الحضرمي: يا حليم يا عليم يا علي يا عظيم اسقنا. (ص/١٥٠) ودعائه بمثله حتى مشى جيشه على النهر. وغيرها كثير.

فهذه كلها أدلة تدل على جواز سؤال الله خوارق العادات على وجه الكرامة – من حيث الأصل -.

ولكنا ننبه الداعي بذلك على أمور مهمة، لا ينبغي أن يغفل عنها:

الأول: أن يدعو الداعي بالكرامة ينوي أول ما ينوي أن يجعله الله من أوليائه، وأن يقربه إليه سبحانه، فلا يمنعه سؤله، ويكرمه ما طلبه.

الثاني: أن تكون نيته خالصة لوجه الله تعالى، لا يريد بها مفاخرة ولا مكاثرة ولا منافسة، وإنما يريد أقرب المنازل إلى الله، وأحب المراتب إليه، فيسأل الله تعالى ما يجوز له منها، وهي الكرامة، أما المعجزة فلا تجوز إلا للأنبياء.

الثالث: أن تقوم الحاجة الداعية لهذا السؤال، كمن يسأل الله الولد على كبر سنه، أو يسأله المطر والقطر على قحط السماء وجفاف الأرض، وأما سؤال الخوارق تفكها أو سؤال الخوارق التي لا تفيد المرء في دينه ولا دنياه فهذه لا يجوز الدعاء بها.

يقول الإمام القرافي رحمه الله:

" من المحرم الذي لا يكون كفرا أن يسأل الداعي من الله تعالى المستحيلات العادية، إلا أن يكون نبيا، فإن عادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام خرق العادة، فيجوز لهم ذلك، كما سألوا نزول المائدة من السماء، وخروج الناقة من الصخرة الصماء.

أو يكون وليا له مع الله تعالى عادة بذلك، فهو جار على عادته، فلا يعد ذلك من الفريقين قلة أدب.

أو لا يكون وليا، ويسأل خرق العادة، ويكون معنى سؤاله أن يجعله وليا من أهل الولاية حتى يستحق خرق العادة.

فهذه الأقسام الثلاثة ليست حراما.

وأما المحرم فله أمثلة: - منها - أن يسأل الله تعالى الاستغناء عن التنفس في الهواء ليأمن الاختناق على نفسه، وقد دلت العادة على استحالة ذلك. – ومنها - أن يسأل الله تعالى الولد من غير جماع أو الثمار من غير أشجار وغراس، وقد دلت العادة على استحالة ذلك فطالب ذلك مسيء الأدب على الله تعالى " انتهى باختصار.

وفي كلامه رحمه الله تطويل وتفصيل كثير عليه بعض المؤاخذات والمناقشات، ولكنا نقلنا ما نحتاج إليه في هذه المسألة. "أنوار البروق في أنواع الفروق" (٤/٢٦٨)

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>