للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

دخل في الإسلام، ويدعو الناس إليه، لكنه على علاقة بصديقة له؟!!

[السُّؤَالُ]

ـ[لدى صديق أسلم، وهو ملتزم دينيّاً، ويقوم كلانا بالدعوة بمدرستنا، لكن ما أود أن أسأل عنه هو أننى لا أستطيع تناسى حقيقة أن لديه صديقة، وقد أخبرتُه دائماً أنه يحرم ذلك، لكنه عندما أخبره بذلك يغضب بشدة مني، ويقول لي: إن عليَّ أن أهتم بشؤوني الخاصة، كما سمعتُ أنه على علاقة بها، هذا بالإضافة إلى حقيقة كونها شيعية، برجاء تقديم النصح حول ما يجب القيام به، أنا لا أستطيع التعايش مع حقيقة أنه يقوم بدعوة المسلمين وغير المسلمين فى حين أن لديه صديقة، ويعلم بذلك مَن بالمدرسة.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

نسأل الله تعالى أن يتقبل من صديقك إسلامه، وأن يثبته عليه، وأن يوفقه في دعوته التي هي وظيفة الرسل الكرام، وهي من أفضل الأعمال الشرعية، ولكن ينبغي له أن يعلم أن الدعوة إلى الله لا بدَّ أن تكون صادقة حتى يؤجر عليها صاحبها، ومن علامات صدقها: أن يحقق الداعية قولَه بالعمل، ومع الأجر من الله تعالى عليها فإنها سبيلٌ ليتأثر الناس بصاحبها.

قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/ ٣٣.

قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:

وهذه الآية الكريمة تفيد: أن الدعاة إلى الله عز وجل هم أحسن الناس قولاً، إذا حققوا قولَهم بالعمل الصالح، والتزموا الإسلام عن إيمان ومحبة وفرح بهذه النعمة العظيمة، وبذلك يتأثر الناس بدعوتهم وينتفعون بها ويحبونهم عليها.

" فتاوى الشيخ ابن باز " (٢ / ٣١٩) .

ونحن نعجب مثلك من صديقك الداعية كيف يدعو الناس إلى الإسلام، والأخلاق، والاتباع، ثم هو يخالف ذلك بإنشائه علاقة محرَّمة مع من يجب عليه بغضها والبراءة منها ومن أفعالها، وهي الرافضية التي من دينها واعتقادها: تحريف القرآن، وتكفير الصحابة إلا قليلاً منهم، عدا عما تحمله قلوبهم من غل وحقد على عموم أهل السنَّة.

وليس هذا من خلق الدعاة إلى الله، ولا من هدي سلفهم من الأنبياء والرسل الكرام.

قال علماء اللجنة الدائمة:

من الشروط التي يجب أن تتوافر في الداعية إلى الله: ما جاء ذكرها في قصة شعيب، قال الله تعالى حكايةً عن شعيب عليه الصلاة والسلام: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) هود/ ٨٨.

ففي هذه الآية بيان: أن مِن شروط الدعوة: العلم، والكسب الحلال، وامتثاله لما يدعو إليه، فيجتنب ما نهى الله عنه، ويمتثل ما أمر الله به، والنية الحسنة، وتفويض الأمر إلى الله تعالى، والتوكل عليه، وأنه هو الذي بيده التوفيق والإلهام.

الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.

" فتاوى اللجنة الدائمة " (١٢ / ٢٤٣) .

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله –:

ومما تجب العناية به بالنسبة للداعي: أن يكون هو أسوة حسنة، عنده عبادة، ومعاملة طيبة، وعنده أيضاً أخلاق يدعو الناس بها، وفي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (إنكم لن تسعوا الناس بأرزاقكم، ولكن تسعوهم بحسن الخلق) فحُسن الخلق جذاب، كم من إنسان قليل العلم يهدي الله على يديه أمماً لأنه حسن الخلق، وكم من إنسان عنده علم واسع كثير لكنه جاف سيء الخُلق، ينفِّر الناس منه، وقد ذكَّر الله نبيه بهذا فقال: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران/ ١٥٩، وهذه الرحمة رحمة للداعي وللمدعو، فهي رحمة من الله لرسوله عليه الصلاة والسلام، ورحمة من الله للخَلْق الذين يدعوهم الرسول؛ لأنه لو كان فظّاً غليظ القلب ما اهتدوا على يديه، فلهذا ينبغي للداعية أن يكون رحب الصدر واسعاً، يأخذ ويعطي ولا يأنف ...

" لقاءات الباب المفتوح " (مقدمة اللقاء رقم ٩٤) .

ولا ينبغي للداعية أن يعظ الناس ويرشدهم للخير وينسى نفسه، وإذا ذكَّرها فتذكرت فينبغي أن يبادر الداعية بفعل كل ما يأمر به من خير، وأن يبتعد عن كل ما يحذِّر منه من شر وسوء.

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) الصف/ ٢، ٣.

وقال سبحانه: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) البقرة/ ٤٤.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله –:

(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) أي: بالإيمان والخير.

(وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) أي: تتركونها عن أمرها بذلك، والحال:

(وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) وأسمى العل " عقلاً "؛ لأنه يعقل به ما ينفعه من الخير، وينعقل به عما يضره، وذلك أن العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به، وأول تارك لما ينهى عنه، فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله، أو نهاه عن الشر فلم يتركه: دل على عدم عقله، وجهله، خصوصاً إذا كان عالما بذلك، قد قامت عليه الحجة.

وهذه الآية وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل: فهي عامة لكل أحد؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين: أمر غيره ونهيه، وأمر نفسه ونهيها، فترك أحدهما لا يكون رخصة في ترك الآخر، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين، والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر: فليس في رتبة الأول، وهو دون الأخير، وأيضا فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن " تفسير السعدي " (ص ٥٠ , ٥١) .

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:

بخلاف الدعاة الذين يقولون ما لا يفعلون؛ فإنهم لا حظ لهم من هذا الثناء العاطر، ولا أثر لدعوتهم في المجتمع، وإنما نصيبهم في هذه الدعوة: المقت من الله سبحانه، والسب من الناس، والإعراض عنهم، والتنفير من دعوتهم، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) الصف/ ٢، ٣، وقال سبحانه: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) البقرة/ ٤٤، فأرشد سبحانه في هذه الآية إلى أن مخالفة الداعي لما يقول: أمرٌ يخالف العقل، كما أنه يخالف الشرع، فكيف يرضى بذلك من له دين أو عقل؟!! .

" فتاوى الشيخ ابن باز " (٢ / ٣١٩) .

ثانياً:

وأنت أخي الفاضل بعد أن تبين له ما ذكرناه آنفاً من أهمية الدعوة إلى الله، وحقيقتها، وأهمية التزام الداعية بما يرشد الناس إليه، وعدم مخالفة أفعاله لأقواله: عليك واجب النصح – أيضاً – بما يقترفه من إثم في تلك العلاقة الفاجرة بتلك الرافضية، ولا تستمع لقوله، ولا تلتفت لفعله في صدك عن نصحه.

عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: (بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِم) .

رواه البخاري (٥٧) ومسلم (٥٦) .

وعليك بالحكمة في نصحه وإرشاده، فأمر الشهوة عظيم، وفتنة النساء لا تخفى حقيقتها وآثارها على أحد، فكم أزهقت من نفوس، وكم أتلفت من أخلاق، وكم أفسدت من أديان، فتنبه لهذا، وتلطف في دعوته وتوجيهه ونصحه، ولا تستبعد قيام تلك الرافضية بسحره، فلا تتخلى عن صديقك البتة، وإن عجزت عن نصحه وأغلق الباب عليك: فانظر من يمكنك أن تطلعه على أمره من العقلاء المقربين لكما ليقوم بنصحه وإرشاده، وليس ثمة داعٍ لتفصيل الأمر لهذا الناصح؛ لئلا تتسبب في إيجاد حاجز بينك وبين صديقك.

ومع نصحك له بترك العلاقة المحرَّمة لا بدَّ من التبيين له عقائد الرافضة، وخطرهم على دينه، وأنه لا يبعد أن تكون هذه مكيدة من أهل دينها للإيقاع به، ليترفض ويترك دينه.

وأعلمه أنه حتى لا يجوز له التزوج بها وهي على دينها، إلا أن تتركه وتتبرأ منه، فكيف يجوِّز لنفسه العلاقة بها وهي لا تحل له حتى بالنكاح.

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:

عن الرافضة هل تزوَّج؟ .

فأجاب:

الرافضة المحضة هم أهل أهواء وبدع وضلال، ولا ينبغي للمسلم أن يزوِّج موليته من رافضي.

وإن تزوج هو رافضية: صح النكاح إن كان يرجو أن تتوب، وإلا فترك نكاحها أفضل؛ لئلا تفسد عليه ولده.

" مجموع الفتاوى " (٣٢ / ٦١) .

فأنت ترى منع شيخ الإسلام رحمه الله من تزويج الرافضة؛ لما للزوج من أثر على زوجته، وأجاز التزوج بالرافضية بشرط أن يرجو أن تتوب مما عليه، وإلا فلا يجوز.

وانظر في تحريف القرآن عند الرافضة: جواب السؤال رقم: (٢١٥٠٠) .

وانظر في حكم موقفهم من الصحابة: جوابي السؤالين: (٤٥٥٦٣) و (٩٥٥٨٨) .

وفي الموقع أجوبة كثيرة تتعلق بالرافضة وعقائدهم، فانظر – إن شئت المزيد -: أجوبة الأسئلة (٢٣٤٨٧) , (١٢١٠٣) , (١١٤٨) , (٤٥٦٩) .

وليعلم هذا الأخ المنصوح أن من شر ما يكيد به لنفسه، ويغلق عنها أبواب الخير أن يتباعد عن الناصح الأمين الحريص على مصلحته، والداعي له إلى سبيل الخير، وإن ما يرد به على الناصح من مثل هذا القول هو من أسوأ المقال، وقد قال الله تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً) (الاسراء:٥٣) .

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد سبحنك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، وإن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل: اتق الله، فيقول عليك نفسك) .

رواه النسائي في الكبرى (١٠٦١٩ـ الرسالة) ، وصحح الألباني إسناده في الصحيحة (٢٥٩٨)

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>