للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

صديقه يكثر اللعن!!

[السُّؤَالُ]

ـ[عندي صديق كثير اللعن وحجته قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: (العنوهن فإنهم ملعونات) ويشهد الله أني نصحته ولكن دون جدوى فما هي نصيحتكم له؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

اللعن يقع على وجهين:

الأول: لعن الكفار وأصحاب المعاصي على وجه العموم، وهذا جائز دلت عليه النصوص من الكتاب والسنة.

والثاني: لعن الكافر أو الفاسق المعين، ممن لم يرد النص بلعنه، وهذا مختلف فيه بين أهل العلم، والراجح منعه، وانظر بيان ذلك في الجواب رقم (٣٦٦٧٤) .

ثانيا:

الإكثار من اللعن مذموم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ) رواه الترمذي (١٩٧٧) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

واللعان: كثير اللعن.

وروى الترمذي أيضا (٢٠١٩) عَنْ ابْنِ عُمَر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ لَعَّانًا) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن كثرة اللعن من أسباب دخول النار، كما روى البخاري (٣٠٤) ومسلم (٨٠) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ! فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ) الحديث.

وروى مسلم (٢٥٩٩) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ: (إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً) .

وروى مسلم أيضا (٢٥٩٧) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا) .

وروى مسلم (٢٥٩٨) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّعَّانِينَ لا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ وَلا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .

وإذا كان الأمر على ما في هذه الأحاديث الشريفة، فكيف يرضى المسلم لنفسه هذه المنزلة؟! أن تفوته مرتبة الصديقية والشهادة والشفاعة يوم القيامة!

قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " (لا يَنْبَغِي لِصِدِّيقِ أَنْ يَكُون لَعَّانًا وَلا يَكُون اللَّعَّانُونَ شُهَدَاء وَلا شُفَعَاء يَوْم الْقِيَامَة) فِيهِ الزَّجْر عَنْ اللَّعْن، وَأَنَّ مَنْ تَخَلَّقَ بِهِ لا يَكُون فِيهِ هَذِهِ الصِّفَات الْجَمِيلَة، لأَنَّ اللَّعْنَة فِي الدُّعَاء يُرَاد بِهَا الإِبْعَاد مِنْ رَحْمَة اللَّه تَعَالَى، وَلَيْسَ الدُّعَاء بِهَذَا مِنْ أَخْلَاق الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّه تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ بَيْنهمْ وَالتَّعَاوُن عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى، وَجَعَلَهُمْ كَالْبُنْيَانِ يَشُدّ بَعْضه بَعْضًا، وَكَالْجَسَدِ الْوَاحِد، وَأَنَّ الْمُؤْمِن يُحِبّ لأَخِيهِ مَا يُحِبّ لِنَفْسِهِ، فَمَنْ دَعَا عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِم بِاللَّعْنَةِ، وَهِيَ الإِبْعَاد مِنْ رَحْمَة اللَّه تَعَالَى. فَهُوَ مِنْ نِهَايَة الْمُقَاطَعَة وَالتَّدَابُر، وَهَذَا غَايَة مَا يَوَدّهُ الْمُسْلِم لِلْكَافِرِ، وَيَدْعُو عَلَيْهِ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الصَّحِيح: (لَعْن الْمُؤْمِن كَقَتْلِهِ) لأَنَّ الْقَاتِل يَقْطَعهُ عَنْ مَنَافِع الدُّنْيَا، وَهَذَا يَقْطَعهُ عَنْ نَعِيم الآخِرَة وَرَحْمَة اللَّه تَعَالَى. وَقِيلَ: مَعْنَى (لَعْن الْمُؤْمِن كَقَتْلِهِ) فِي الإِثْم، وَهَذَا أَظْهَر " انتهى.

ثالثا:

ما جاء في النصوص من لعن بعض أهل المعاصي كلعن السارق وشارب الخمر وآكل الربا، محمول عند جمهور أهل العلم على غير المعيّن، وأما المعين فلا يجوز لعنه؛ للأحاديث في النهي عن اللعن، ولما في ذلك من السب والأذى وما قد يؤدي إليه من التقنيط من رحمة الله.

ومن ذلك الحديث المسئول عنه، وقد رواه الطبراني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العنوهن فإنهن ملعونات) حسنه الألباني في "الثمر المستطاب" (١/٣١٧) و "جلباب المرأة المسلمة" (ص ١٢٥) .

فهذا محمول على اللعن العام كما سبق.

فينبغي أن تواصل النصح لأخيك، حتى يترك هذا العمل؛ لأنه إن لم يكن محرما، كما هو قول الجمهور، فأقل أحواله أنه يكون مشتبها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ) رواه البخاري (٥٢) ومسلم (١٥٩٩) واللفظ له.

ثم إن المؤمن ينبغي أن كون حريصا على هداية الخلق، مشفقا عليهم، ساعيا في دعوتهم وإنقاذهم، واللعن لا يوصل إلى شيء من ذلك، بل لو بلغ المدعو لزاده نفورا وإحجاما وكرها وبغضا. وما أجمل أن يُعّود الإنسان نفسه على الدعاء الصالح للناس كأن يقول: الله اهده، اللهم أصلح حاله، اللهم خذ بيده، ونحو ذلك مما فيه نفع الداعي والمدعو له. والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، فمن الذي يضمن لنفسه العصمة، فإذا عوفيت فاحمد الله، وأرجو لإخوانك مثل ما أنت فيه من الخير، وتذكر قول الله تعالى: (كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) النساء/٩٤.

وأين هذا الأخ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى صَاحِبَ بَلاءٍ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا إِلا عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَاءِ كَائِنًا مَا كَانَ مَا عَاشَ) رواه الترمذي (٣٤٣١) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي. فهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه سنته وسيرته، القولية والعملية، فتمسك بها تكن من المفلحين الناجين.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>