يصلي ويصوم ويقوم الليل ولكنه يسئ لزوجته وجيرانه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تقولون في شخص يصلي في المسجد، ويقيم الليل، ويصوم أيام الاثنين والخميس، والثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من كل شهر، ولكنه مع ذلك عديم الأخلاق مع زوجته التي يتشاجر معها كل يوم، ومع جيرانه ومعارف زوجته، وأناس آخرين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مكارم الأخلاق من أعظم الغايات التي بُعث النبي صلى الله عليه وسلم لتحقيقها في الناس، فقد أرسله الله سبحانه وتعالى ليقيم في الناس الدين الحق والحياة العادلة المقسطة، بعد أن نظر الله تعالى إلى أهل الأرض فمقتهم ومقت ما هم عليه من شرك وجهل وسوء خلق، إلا بقايا من أهل الكتاب.
وقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا المقصد العظيم من مقاصد بعثته بأداة الحصر " إنما "، ليلقي في قلب السامع أن جميع العقائد والأحكام التي جاء به الشرع الحنيف إنما تصب في هذا الهدف، وهو إقامة الأخلاق الحسنة، وإقامة العدل والإحسان.
يقول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ)
رواه أحمد في "المسند" (٢/٣١٨) وحسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/٤٥)
ولا شك أن من أعظم المشكلات التي يعاني منها بعض المسلمين اليوم: الفصام بين جانبي العبادات والأخلاق، حيث أصبحت الممارسة العملية للعبادات – لدى بعض الناس - أشبه بالعادات أو " الطقوس " التي تؤدَّى بأشكالها دون العناية بآثارها في النفوس والقلوب، مع أن أركان الإسلام الأربعة – التي هي أهم العبادات – كان من غاياتها تهذيب النفوس وتحسين الأخلاق.
فالصلاة مثلا: يقول الله عز وجل فيها: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) العنكبوت/٤٥
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
(قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ فُلَانَةَ - يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا - غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ.
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَإِنَّ فُلَانَةَ - يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا - وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ)
رواه أحمد في "المسند" (٢/٤٤٠) وصححه المنذري في "الترغيب والترهيب" (٣/٣٢١) ، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/١٩٠)
وكذلك الشأن في فرض الصيام، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الخلق الحسن هو ثمرة الصيام المقبول، فمن لم يجد هذه الثمرة، لم ينفعه صيامه عند الله.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِى أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (١٩٠٣)
والزكاة أيضا إنما شرعت تزكية للنفس، وتطهيرا لها من أدران الآثام والأوزار وغوائل القلب.
يقول الله عز وجل: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) التوبة/١٠٣
وكذلك الركن الخامس من أركان الإسلام، الحج، يقول الله عز وجل عنه: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة/١٩٧.
ولو رحنا نسوق منزلة الأخلاق الكريمة في تشريعات الإسلام من الكتاب والسنة لطال بنا المقام جدا، حتى عقد ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين" (٢/٣٠٧) فصلا بعنوان: " الدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين ".
لكن يكفي أن نتأمل كيف أن مكارم الأخلاق من المقاصد الأساسية لتشريع أركان الإسلام، ففي ذلك دلالة على عظيم منزلة هذا المقصد، وضرورة المحافظة عليه، وجعله نصب عيني كل مسلم موحد لله عز وجل.
فالواجب عليكم أن تذكروا ذلك الشخص الذي يؤذي زوجته وجيرانه بتقوى الله تعالى، وأن الله عز وجل لا يرضى أفعاله تلك، بل يسخط لأذى الجار والزوجة والأقارب، فأين هي آثار القيام والصيام على قلبه وخلقه وجوارحه؟!
واستعملوا معه الرفق في النصح، فحرصه على العبادة بذرة خير إن شاء الله، وقد روى الإمام أحمد في "المسند" (٢/٤٤٧) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ فُلَانًا يُصَلِّي بِاللَّيْلِ، فَإِذَا أَصْبَحَ سَرَقَ؟ قَالَ: إِنَّهُ سَيَنْهَاهُ مَا يَقُولُ)
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٢/٢٦١) : رجاله ثقات. وقال شعيب الأرنؤوط وعادل مرشد في "تحقيق المسند" (١٥/٤٨٣) : إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب