للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حديث توسل آدم بالنبي وتفسير: (وابتغوا إليه الوسيلة)

[السُّؤَالُ]

ـ[أرجو تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) المائدة/٣٥، وذلك ردّاً على الصوفية في التوسل، حيث إن بعضهم فسرها بجواز التوسل بالأنبياء والأولياء، أما بالنسبة لحديث آدم لما اقترف الخطيئة فيقولون: إن البيهقي صحح الحديث، وإن الذهبي أثنى على هذا الكتاب.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

حديث اقتراف آدم للخطيئة وتوسله بالنبي صلى الله عليه وسلم حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آدم عليه السلام.

وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (٣٤٧١٥) ونقلنا عن أهل العلم تبيينهم لكذبه، ومن هؤلاء العلماء الإمام الذهبي رحمه الله.

والبيهقي رحمه الله لم يرو الحديث في سننه، بل رواه في "دلائل النبوة" (٥/٤٨٩) وضعَّفه، فقد قال بعد سياقه للحديث: " تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف ".

ومما يرجح نكارة المتن وبطلانه: أن الدعاء الذي قبِل الله به توبة آدم هو ما قاله الله في سورة الأعراف: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) الأعراف/٢٣، فهذا هو الدعاء الذي دعا به آدم وحواء، وفيه دعاء الله تعالى وحده، والتوسل بأسمائه وصفاته، والتوسل بذكر حالهم، وهي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه ثم قالها فتاب الله تعالى عليه، كما قال تعالى: (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة/٣٧.

ثانياً:

أما تفسير لفظ " الوسيلة " في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/٣٥: فهي الطريق الموصلة إلى الله تعالى، ولا طريق موصلة إليه عز وجل إلا الطريق التي يحبها الله ويرضى عنها، وتكون بطاعته وترك معصيته.

قال ابن كثير رحمه الله:

" يقول تعال آمراً عباده المؤمنين بتقواه، وهي إذا قرنت بطاعته كان المراد بها الانكفاف من المحارم وترك المنهيات، وقد قال بعدها: (وابتغوا إليه الوسيلة) قال سفيان الثوري عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس: أي: القربة، وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن وقتادة وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد، وقال قتادة: أي: تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه، وقرأ ابن زيد: (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة) ، وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه.

والوسائل والوسيلة: هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود " انتهى.

"تفسير ابن كثير" (٢/٥٣، ٥٤) .

وقال الشنقيطي رحمه الله:

" اعلم أن جمهور العلماء على أن المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه على وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بإخلاص في ذلك لله تعالى؛ لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضى الله تعالى، ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة.

وأصل الوسيلة: الطريق التي تقرب إلى الشيء، وتوصل إليه وهي العمل الصالح بإجماع العلماء؛ لأنه لا وسيلة إلى الله تعالى إلا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالآيات المبينة للمراد من الوسيلة كثيرة جدّاً كقوله تعالى: (وَمَآءَاتَـ?كُمُ ?لرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـ?كُمْ عَنْهُ فَ?نتَهُواْ) ، وكقوله: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ?للَّهَ فَ?تَّبِعُونِى) ، وقوله: (قُلْ أَطِيعُواْ ?للَّهَ وَأَطِيعُواْ ?لرَّسُولَ) ، إلى غير ذلك من الآيات.

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بالوسيلة الحاجة. . .

وعلى هذا القول الذي روي عن ابن عباس فالمعنى: (وَ?بْتَغُواْ إِلَيهِ ?لْوَسِيلَةَ) : واطلبوا حاجتكم من الله؛ لأنه وحده هو الذي يقدر على إعطائها، ومما يبين معنى هذا الوجه قوله تعالى: (إِنَّ ?لَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ?للَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَ?بْتَغُواْ عِندَ ?للَّهِ ?لرِّزْقَ وَ?عْبُدُوهُ) ، وقوله: (وَ?سْأَلُواْ ?للَّهَ مِن فَضْلِهِ) ، وفي الحديث: (إذا سألتَ فاسأل الله) .

ثم قال الشنقيطي رحمه الله: التحقيق في معنى الوسيلة هو ما ذهب إليه عامة العلماء من أنها التقرب إلى الله تعالى بالإخلاص له في العبادة، على وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وتفسير ابن عباس داخل في هذا؛ لأن دعاء الله والابتهال إليه في طلب الحوائج من أعظم أنواع عبادته التي هي الوسيلة إلى نيل رضاه ورحمته.

وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهَّال المدعين للتصوُّف من أن المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه: أنه تخبط في الجهل والعمى وضلال مبين، وتلاعب بكتاب الله تعالى، واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار، كما صرح به تعالى في قوله عنهم: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَاّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ?للَّهِ زُلْفَى?) وقوله: (وَيَقُولُونَ هَـ?ؤُلا?ءِ شُفَعَـ?ؤُنَا عِندَ ?للَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ?للَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِى ?لسَّمَوَتِ وَلَا في ?لأرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى? عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الطريق الموصلة إلى رِضى الله وجنته ورحمته هي اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن حاد عن ذلك فقد ضل سواء السبيل، (لَّيْسَ بِأَمَـ?نِيِّكُمْ وَلا? أَمَانِىِّ أَهْلِ ?لْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُو?ءًا يُجْزَ بِهِ) .

وهذا الذي فسرنا به الوسيلة هنا هو معناها أيضاً في قوله تعالى: (أُولَـ?ئِكَ ?لَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى? رَبِّهِمُ ?لْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) ، وليس المراد بالوسيلة أيضاً المنزلة التي في الجنة التي أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نسأل له الله أن يعطيه إياها، نرجو الله أن يعطيه إياها؛ لأنها لا تنبغي إلا لعبد، وهو يرجو أن يكون هو " انتهى باختصار.

"أضواء البيان" (٢/٨٦– ٨٨) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>