للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم زواج المرأة بمن يحضر الموالد وعنده بعض البدع

[السُّؤَالُ]

ـ[لدي سؤال صعب، فأخت زوجتي ستتزوج قريباً، وهي متخوفة من نوعية الشخص الذي ستتزوج به، وحتى أكون واضحاً معك، فقد سألتْني ما إذا كان يصح الزواج برجلٍ يؤيِّد بشدة المولد أو الاحتفال بمولد النبي – صلى الله عليه وسلم - أنا أفهم أن هذا العمل في ذاته بدعة في الإسلام، لكن، الصعوبة تكمن في ما إذا كان يمكن للمسلمة أن تتزوج بمن يقيمون الموالد، وفي البلد الذي أقيم فيه فإن الناس الذين يقيمون هذا العمل يفعلونه كعبادة، وفي هذه المناسبة يدعى الناس لحضور الاحتفال حيث تقرأ بعض الأحاديث وتُغنى بعض الأغنيات ويقال الدعاء، والناس في الحقيقة يقفون ويغنون! وأنا أتمنى أن يكون هذا هو الفعل الذي تشير إليه الفتوى في موقعك. أما عن السؤال فهو: هل يجوز للمسلمة الزواج بمن يفعل هذا الفعل؟ والسؤال الأصعب والذي أخشى من طرحه هو: هل مَن يفعل هذا الفعل يعتبر مسلماً؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

وبعد: فأما ما يتعلق بحكم المولد، وهل يعتبر فاعله مسلماً: فالجواب تجده بالتفصيل في زاوية " مواضيع في المناسبات " من هذا الموقع، وخلاصته: أن الذين يفعلون هذا الأمر هم أصناف كثيرة بحسب ما يقومون به من أعمال ـ وإن كان المولد في حد ذاته بدعة ـ لكن الحكم على فاعله يختلف بقدر ما يرتكبه في هذا المولد من مخالفات، وبالتالي فقد يصل الأمر إلى حد الشرك والخروج من الملة؛ إذا ارتكب في هذا المولد شيئاً مِن المكفرات المعلومة، كدعاء غير الله، أو وصف النَّبي صلى الله عليه وسلم بصفات الربوبية، أو ما شابه ذلك، وأما إن كان لم يصل إلى هذا الحد فهو فاسق وليس بكافر، ويتفاوت فسقه بقدر ما يرتكب في هذا المولد من مخالفات وبدع.

وأما مسألة الزواج من الرجل الذي يشارك في مثل هذه الموالد فحكمه يختلف بحسب حال هذا الرجل؛ فإن كان يقع في المكفرات فلا يجوز الزواج منه بحال من الأحوال لأن الله يقول {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُم} البقرة/٢٢١ والعقد يعتبر باطلاً، وهذا بإجماع أهل العلم.

وأما إن كان المبتدع لم يصل ببدعته إلى حد الكفر؛ فإن العلماء قد حذروا من مناكحة أهل البدع تحذيراً شديداً، ولذا قال الإمام مالك رحمه الله: " لا ينكح أهل البدع؛ ولا ينكح إليهم، ولا يسلم عليهم.. " المدونة " ١ / ٨٤، وقريب منه قول الإمام أحمد رحمه الله.

وقد قررّ الأئمة الأربعة رحمهم الله أن مسألة الكفاءة في الدين بين الرجل والمرأة في النكاح من الأمور المعتبرة؛ فالفاسق ليس بكفؤ للمسلمة المتدينة المستقيمة لأن الله قال: (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون) ولاشك أن البدعة في الدين من أشد أنواع الفسق، ومعنى اعتبار الكفاءة في الدين: أنه لو اكتشفت المرأةُ أن الزوج فاسقٌ أو تبيَّن لأوليائها أن الزوج فاسق بعد أن تمَّ العقد فإنه يحق للمرأة أو لأوليائها الاعتراض على هذا العقد وطلب فسخه، أما إذا أسقطوا هذا الحق برضاهم فإن العقد صحيح.

ولذا فينبغي الحذر من مثل هذ١النكاح؛ خصوصاً وأن القوامة تكون للرجل فربَّما ضايق المرأة؛ وأجبرها على ارتكاب بعض البدع، أو ألزمها بمخالفة السنَّة في بعض الأمور؛ أما الأولاد فشأنهم أخطر، فهم عرضة لأن يربيهم على بدعته فينشئون مخالفين لأهل السنَّة، وفي هذا من الحرج والضيق على الأم المتبعة لمنهج أهل السنة والجماعة ما فيه.

وخلاصة القول: أن نكاح المرأة لرجل مسلم من أهل البدع مكروه عند أهل السنة كراهة شديدة، لما يترتب عليها من المفاسد، وتعطيل كثير من المصالح.

ومن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه.

راجع " موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع " د. إبراهيم الرحيلي (١ / ٣٧٣ – ٣٨٨) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد

<<  <  ج: ص:  >  >>