كيف يتصرف مع أهله الذين يحتفلون بالمولد النبوي ويلمزونه لعدم مشاركته معهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أحتفل بالمولد النبوي، على خلاف بقية الأسرة الذين يحتفلون بذلك، ويقولون: إن إسلامي إسلام جديد، وإنني لا أحب النبي صلى الله عليه وسلم، فهل من نصيحة في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد أحسنت ـ أيها الأخ الكريم ـ في تركك الاحتفال بما هو بدعة من بدع العادات التي شاعت بين الناس، ولا تلتفت لمن يطعن باتباعك للنبي صلى الله عليه وسلم، ويلمزك باستقامتك على هدي الإسلام؛ فما من رسول أرسله الله تعالى لقومه إلا سخروا منه، وطعنوا في عقله، ودينه، كما قال تعالى: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) الذاريات/ ٥٢، فلك في أنبياء الله أسوة، فلتصبر على ما يصيبك من الأذى، ولتحتسب الأجر عند ربك.
ثانياً:
النصيحة لك: بأن تُعرض عن مناقشتهم، ومجادلتهم، إلا أن ترى منهم عاقلاً يسمع، ويستفيد، فيمكنك أن تنتقي أمثال هؤلاء لتوقفهم على حقيقة المولد، وحكمه، وأدلة نقضه، وتبين لهم فضل الاتباع، وشر الابتداع، وإذا رأيتَ مثل هؤلاء: فإليك ما ينفعك في الحوار معهم، والنصح لهم:
١. لنبدأ مع هؤلاء من حيث انتهوا، وهو قولهم لك إن إسلامك إسلام جديد، فنقول: أيهما أقدم ديناً وإسلاماً: من احتفل بالمولد النبوي، أم من لم يحتفل؟ والجواب بلا شك عند كل عاقل منصف: أن من لم يحتفل هو أقدم إسلاماً وديناً، فالصحابة رضي الله عنهم، والتابعون، وأتباع التابعين، ومن بعدهم إلى العصر العبيدي في مصر لم يحتفلوا بهذا المولد، وإنما كان هذا بعدهم، فمن هو صاحب الإسلام الجديد؟! .
٢. لنرى من يحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر، آالصحابة رضي الله عنهم، أم من بعدهم من القرون المتأخرة؟ والجواب بلا شك عند عاقل ومنصف أن الصحابة أكثر، وأعظم حبّاً للنبي صلى الله عليه وسلم، فهل احتفلوا بميلاده أم تركوه؟! وكيف سيكون مثل هؤلاء باحتفالهم بميلاد النبي صلى الله وسلم منافسين للصحب الكرام في محبة نبيهم؟! .
٣. لنسأل: ما معنى محبة النبي صلى الله عليه وسلك؟ إنها عند كل عاقل ومنصف تعني: الاتباع لهديه، وسلوك طريقه صلى الله عليه وسلم، ولو أن هؤلاء المحتفلين التزموا هدي نبيهم، وسلكوا طريق الاتباع: لوسعهم ما وسع الصحابة المحبين، والمتبعين لنبيهم صلى الله عليه وسلم، ولعلموا أن الخير في اتباع من سلف، والشر في ابتداع من خلَف.
قال القاضي عياض – رحمه الله -: في فصل في علامة محبته صلى الله عليه وسلم -:
اعلم أن مَن أحب شيئاً: آثره، وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقاً في حبِّه، وكان مدعيّاً، فالصادق في حبِّ النبي صلى الله عليه وسلم: مَن تظهر علامة ذلك عليه، وأولها: الاقتداء به، واستعمال سنته، واتباع أقواله، وأفعاله، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه، في عسره، ويسره، ومنشطه، ومكرهه، وشاهد هذا: قوله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحبكم الله) ، وإيثار ما شرعه، وحض عليه على هوى نفسه، وموافقة شهوته، قال الله تعالى: (والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) وإسخاط العباد في رضى الله تعالى ... .
فمن اتصف بهذه الصفة: فهو كامل المحبة لله، ورسوله، ومن خالفها في بعض هذه الأمور: فهو ناقص المحبة، ولا يخرج عن اسمها.
" الشفا بتعريف حقوق المصطفى " (٢ / ٢٤، ٢٥) .
٤. لننظر في تاريخ ميلاده صلى الله عليه وسلم، هل يثبت فيه شيء؟ ومن ثم لننظر في المقابل هل ثبت تاريخ وفاته صلى الله عليه وسلم؟ إن الجواب عند كل عاقل ومنصف: أنه لم يثبت تاريخ ميلاده، وأنه قد ثبت باليقين تاريخ وفاته صلى الله عليه وسلم.
وإذا نظرنا في كتب السيرة النبوية: سنجد أن كتَّاب السيرة يختلفون حول ميلاده صلى الله عليه وسلم إلى أقوال هي كما يلي:
١. يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول.
٢. ثامن ربيع الأول.
٣. عاشر ربيع الأول.
٤. ثاني عشر ربيع الأول.
٥. وقال الزبير بن بكار: ولد في رمضان.
ولو كان يترتب على ميلاده صلى الله عليه وسلم شيء لسأله عنه الصحابة رضي الله عنهم، أو لأخبرهم هو به صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك لم يكن.
وأما وفاته: فلم يُختلف في أنها في الثاني عشر من ربيع أول منة السنة الحادية عشر للهجرة.
ثم لننظر بعدها متى يحتفل هؤلاء المبتدعة؟ إنهم يحتفلون في وقت وفاته لا ميلاده! وقد مشَّى عليهم العبيديون – الذين زوروا نسبهم وسموا أنفسهم " فاطميون " نسبة لفاطمة رضي الله عنها - الباطنية بدعتهم، وقبلوها بسذاجة بالغة، فقد كان أولئك القوم زنادقة، ملحدون، وقد أرادوا الفرح بوقت وفاة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فاخترعوا تلك المناسبة، وأقاموا لها الاحتفالات، وإنما أرادوا الإعراب عن فرحهم، فأوهموا السذَّج من المسلمين أن من وافقهم في هذه الاحتفالات فهو إنما يعبِّر عن محبته صلى الله عليه وسلم، وهكذا نجحوا في خبثهم ومكرهم، ونجحوا مع هؤلاء في تحريف معنى " المحبة "، وجعلوه في قراءة قصائد المولد، وتوزيع الشعير! والحلويات، مع إقامة حلقات الرقص، والاختلاط بين الرجال والنساء، وما يصحف ذلك من معازف، وتبرج، وفجور، عدا عن التوسلات البدعية، والكلمات الشركية التي تقال في تلك المجالس والحلقات.
وقد سبق التوسع في بيان نكارة هذه البدعة في موقعنا في أجوبة الأسئلة: (١٠٠٧٠) و (١٣٨١٠) و (٧٠٣١٧) فلتنظر.
وينظر كتاب الشيخ صالح الفوزان في نقض هذه البدعة تحت هذا الرابط:
http://www.islamqa.com/ar/ref/books/٩٤
ثالثاً:
اصبر - أخي السائل - على اتباعك لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يغرنك كثرة المخالفين، ونوصيك بطلب العلم، والحرص على نفع الناس، ولا تجعل مثل هذه الأفعال من أهلك سبباً للفرقة بينك وبينهم، فهم يقلدون غيرهم ممن يفتي لهم بجواز هذه الاحتفالات، بل باستحبابها! فعليك التلطف معهم في الإنكار، والحرص على إظهار أحسن الأقوال، والأفعال، والأخلاق، وأرهم أثر الاتباع على سلوكك، وعبادتك، ونسأل الله لك التوفيق.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب