للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

زوجته نفسها بالهاتف بعد علاقة محرمة، وجعلا المهر آية من كتاب الله

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا شابة أبلغ من العمر ٢١ سنة، أصلي من زمن بعيد، وأعرف بيني وبين الله، وأخاف كثيراً أن أقع في الحرام، قادتني الأقدار إلى التعرف على شاب طيِّب جدّاً، من أسرة فقيرة، أحببته كثيراً؛ لخلقه؛ وتربيته، زاد الحوار بيننا إلى أن وصل إلى تبادل القبَل عبر الميكرفون، ومخافة من الله عز وجل طلبت منه أن يتقدم لخطبتي، وافق، ولكن ظروفه المالية لا تسمح، قررت أن أقول أنا وهو: زوجتُك نفسي على سنَّة الله، ورسوله، وقراءة الفاتحة، ولقد أهداني مهراً، وهو عبارة عن آية قرآنية من سورة البقرة، وحفَّظها لي، حفظتُها عن ظهر قلب، ومن ذلك اليوم اتخذته زوجاً لي، حيث وضعت الكاميرا، وأريته نفسي، وقد وصلت إلى درجة النوم معه! عبر الميكرفون، والموبايل، لكن مؤخراً أصبحت أحس كأنني أقترف جرماً، خصوصاً بعد الشك الذي راودني في فقدي لعذريتي، فقد بكيت طيلة ليلة كاملة، وبعد ذلك تأكدت أنني مازلت عذراء - ولله الحمد - لكنني أشعر بالذنب، وأنني خلعت ثوب عفتي، وأخلاقي. أرجوكم، أرجوكم، أريد أن أعرف هل أنا أخطأت؟ وما الذي أفعله أنا وهو؟ . جزاكم الله خيراً، أنا معذبة.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

نقول لك يا أمة الله، نقول لك أيتها السائلة المسكينة، نقول لك أيتها المعذبة (؟!) :

هل أنت جادة أم هازلة في سؤالك؟!

هل نضحك من سؤالك لنا: (هل أنا أخطأت؟) ، أم نبكي مما وصل إليه حال المسلمين، وبنات المسلمين!!

يا أمة الله، أنت بكل بساطة، إن كان في هذا الأمر بساطة، قد أجرمت، مع ذلك المجرم الخائن، الذي أبدى لك طيبة ماكرة خبيثة، لتقعي في حباله، ثم يصادقك بعون من إبليس اللعين، ثم ها أنت تسألين!!

يا لهوان المعاصي عليك، وعلى صاحبك، يا لهوان حرمات الله عليك، يا لهوان عرضك وشرفك عليك، أيتها السائلة: هل أخطأت؟!!

يا أمة الله، إن الله يغار من فوق سمائه:

عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) رواه البخاري (٥٢٢٣) ومسلم (٢٧٦١) .

يا أمة الله، إن الله يغضب في عليائه:

عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ ... ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ انْجَلَتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ( ... يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا)

رواه البخاري (١٠٤٤) ومسلم (٩٠١) .

يا أمة الله، أما علمت أنك، وصاحبك المخادع الماكر، قد لعبتما بميثاق الله الغليظ:

قال الله تعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) النساء /٢٠-٢١

قال الشيخ ابن عاشور رحمه الله ـ التحرير والتنوير (١/٩١٨) ـ: " والميثاق الغليظ عقدة النكاح على نية إخلاص النية ودوام الألفة " انتهى.

ورُويَ ذلك عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير. انظر ابن كثير (٢/٢٤٥) .

يا أمة الله، لقد لعبتما بأمان الله فها أنت تعانين العذاب، لقد لعبتما بكلمات الله:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع التي حجها بأصحابه:

(فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله)

رواه مسلم (١٢١٨) من حديث جابر.

"وكلمة الله" هي: عقد النكاح.

ثم ها هو الطيب المسكين، يجعل مهرك آية من آيات الله!!

فالله أكبر على هذا اللعب بآيات الله، والاستخفاف بكتابه:

يا أمة الله: إن مهر البغي خبيث، فكيف هان عليكما كلام الله، فتجعلان مهر هذا البغاء آية من آيات الله؟!

يا أمة الله، والله لو جعلتما عربون هذه العلاقة الآثمة لحم خنزير، أو زجاجة خمر، لكان أهون إثما من ذلك:

روى ابن أبي حاتم بإسناده عن مكحول الأزدي قال: قلت لابن عمر: " أرأيت قاتل النفس، وشارب الخمر، والسارق، والزاني: يذكر الله، وقد قال الله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} ؟ قال: إذا ذكر اللهَ هذا، ذكره اللهُ بلعنته، حتى يسكت!! ".

قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، في تعليقه على هذا الأثر:

" إسناده صحيح..، وهذا الذي قاله ابن عمر حق، ينطبق تماما على ما يصنع أهل الفسق والمجون في عصرنا، من ذكر الله سبحانه وتعالى، في مواطن فسقهم وفجورهم، وفي الأغاني الداعرة، والتمثيل الفاجر، الذي يزعمونه تربية وتعليما، وفي قصصهم المفترى، الذي يجعونه هو الأدب وحده، أو يكادون، وفي تلاعبهم بالدين، بما يسمونه القصائد الدينية، والابتهالات، التي يتلاعب بها الجاهلون من القراء، يتغنون بها في مواطن الخشوع وأوقات التخلي للعبادة، حتى لبسوا على عامة الناس شعائر الإسلام؛

فكل أولئك يذكرون الله، فيذكرهم بلعنته، حتى يسكتوا!! " انتهى. عمدة التفسير (١/٢٧٢) .

ثم ها أنت أيضا تسألين: ماذا أفعل؟!!

هل أنت جادة في هذا السؤال ـ أيضا ـ أم ما زلت تلعبين؟!

قال مالك رحمه الله: " مهما كنت لاعبا بشيء، فلا تلعبن بدينك!! ".

فالواجب عليكِ الآن فعله دون تردد:

١. التوبة الصادقة لربك سبحانه وتعالى، والندم على ما فات من أفعالك، والعزم الأكيد على عدم العوْد لها، ولا لمثلها. عظمي حرمة الله، واعرفي قذر الوحل الذي كنت فيه أنت وصاحبك، وطهري نفسك بتوبة نصوح، واغسلي عنك قذارة المعصية، ونجاسة الإثم، بماء عينك، واغتنمي أوقات الأسحار، وتضرعي إلى الله، بالليل وبالنهار، لعل الله تعالى أن يمن عليك بالقبول، ويسترك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

٢. أكثري من فعل الطاعات، وكلما كلت نفسك، أو ونت، ذكريها ما على ظهرك من الأعباء والأحمال: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) هود/١١٤-١١٥

٣. قطع الصلة بذلك الذئب الخبيث، وعدم مراسلته، أو محادثته بشيء، ولا تشعريه بأنك موجودة ولا تريدين الاتصال به؛ خشية أن يكون قد التقط لك صوراً أو سجل لك أفلاماً، ومن المحتمل أن يبتزك بها. وغيري رقم هاتفك الجوال، وإياك إياك أن تخضعي له، فإن حاول ابتزازك، وهددك، فاستعيني بعاقل فظن من أهلك، يرد كيده عنك، وإن أنت صدقت مع الله، فلا عليك ما أصابك.

وأنتِ لم تسألي من أجل مجرد السؤال، وظننا أنك تريدين تطبيق الحكم الشرعي الذي يلزمك، فها قد علمتِ أنه يلزمك التوبة، وقطع العلاقة مع ذلك الذئب البشري، وما علينا إلا النصح والبلاغ.

وقد بيَّنا حكم المراسلات والمحادثات بين الجنسين في فتاوى متعددة، فانظري أجوبة الأسئلة: (٣٤٨٤١) و (٢٦٨٩٠) و (٧٨٣٧٥) و (٢٣٣٤٩) .

وانظري - في العلاقات المحرَّمة -: أجوبة الأسئلة (١١١٤) و (٩٤٦٥) و (٢١٩٣٣) و (١٠٥٣٢) .

والذي حصل بينكما لعب لا قيمة له في الشرع، وليس من الزواج في شيء، والمرأة لا تزوج نفسها، بل يزوجها وليها، وموافقته شرط في عقد النكاح.

ثم أمر الزواج ليس سرا ولا خيانة، بل هو إعلان، وبهجة وسرور.

وانظري أجوبة الأسئلة: (٢١٢٧) و (١٣٥٠١) و (٤٥٥١٣) و (٧٩٨٩) .

والله الموفق

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>