للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مذاهب العلماء في زكاة الدَّيْن، والراجح من أقوالهم

[السُّؤَالُ]

ـ[دخلت مع أحد الأشخاص كشريك مساهم بالمال فقط، وهو يتولى العمل، ولكنني لم يعجبني العمل، فلم أطلب منه أي فوائد، كما أنه لم يعطني شيئاً، بعد ثلاث سنوات طلبت منه أن يعطيني المال الذي أعطيته، ولكنه يقول: إن ظرفه لا يسمح له في الوقت الحالي، ويبرم لي مواعيد من حين لآخر، غير أني متأكد من أنه سيرد لي هذا المال، إلا أني أتساءل ما إذا كان على هذا المبلغ من زكاة يجب دفعها]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

الدَّين الذي للمسلم على غيره لا يخلو من أن يكون على أحد حالين:

الأولى: أن يكون عند مقرٍّ به، معترف بمقداره، باذل له.

والثانية: أن يكون عند معترف به، لكنه معسر، أو مماطل، أو يكون عند جاحد له.

ففي الحال الأولى: يزكي الدَّين بإضافته إلى ما معه من مال، فيزكي عن جميع ماله، وذلك كل عام، ولو لم يقبضه من المدين؛ لأنه بمثابة الوديعة، ويجوز له أن يؤجل أداء زكاة الدَّيْن لحين قبضه، ويؤدي زكاته عن الأعوام كلها.

وفي الحال الثانية: ليس عليه زكاة، لكنه إذا قبضه فالأحوط له: أن يزكيه عن عامٍ واحد، ولو مكث عند المعسر، أو المماطل، أو الجاحد، أعواماً عديدة.

هذا ملخص للراجح من أقوال العلماء في هذه المسألة، وهناك اختلاف بينهم فيما ذكرنا من مسائل، وهذا عرض مختصر لأقوالهم في ذلك:

جاء في " الموسوعة الفقهية " (٢٣ / ٢٣٨، ٢٣٩) :

"الدَّيْن مملوك للدائن، ولكنه لكونه ليس تحت يد صاحبه: فقد اختلفت فيه أقوال الفقهاء: فذهب ابن عمر، وعائشة، وعكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهم: إلى أنه لا زكاة في الدَّين، ووجهه: أنه غير نامٍ، فلم تجب زكاته، كعروض القُنية - وهي العروض التي تقتنى لأجل الانتفاع الشخصي -.

وذهب جمهور العلماء: إلى أن الدَّيْن الحالَّ قسمان: دين حال مرجو الأداء، ودين حال غير مرجو الأداء.

فالدَّين الحالُّ المرجو الأداء: هو ما كان على مقرٍّ به، باذلٍ له، وفيه أقوال: فمذهب الحنفية، والحنابلة، وهو قول الثوري: أن زكاته تجب على صاحبه كلَّ عام؛ لأنه مال مملوك له، إلا أنه لا يجب عليه إخراج الزكاة منه ما لم يقبضه، فإذا قبضه زكاه لكل ما مضى من السنين.

ووجه هذا القول: أنه ديْن ثابت في الذمة، فلم يلزمه الإخراج قبل قبضه؛ ولأنه لا ينتفع به في الحال، وليس من المواساة أن يخرج زكاة مال لا ينتفع به، على أن الوديعة التي يقدر صاحبها أن يأخذها في أي وقت ليست من هذا النوع، بل يجب إخراج زكاتها عند الحول.

ومذهب الشافعي في الأظهر، وحماد بن أبي سليمان، وإسحاق، وأبي عبيد: أنه يجب إخراج زكاة الديْن المرجو الأداء في نهاية كل حول، كالمال الذي هو بيده، لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه.

وجعل المالكية الديْن أنواعا: فبعض الديون يزكَّى كل عام، وهي دين التاجر المدير [أي الذي يبيع ويشتري للتجارة] عن ثمن بضاعة تجارية باعها.

وبعضها يزكَّى لحولٍ من أصله لسنَة واحدة عند قبضه، ولو أقام عند المدين سنين، وهو ما أقرضه لغيره من نقد، وكذا ثمن بضاعة باعها محتكر.

وبعض الديون لا زكاة فيه، وهو ما لم يقبض، من نحو هبة، أو مهر، أو عوض جناية.

وأما الديْن غير المرجو الأداء: فهو ما كان على معسرٍ، أو جاحد، أو مماطل، وفيه مذاهب: فمذهب الحنفية فيه، وهو قول قتادة وإسحاق، وأبي ثور، ورواية عن أحمد، وقول للشافعي: أنه لا زكاة فيه؛ لعدم تمام المِلك؛ لأنه غير مقدور على الانتفاع به.

والقول الثاني: وهو قول الثوري، وأبي عبيد ورواية عن أحمد، وقول للشافعي هو الأظهر: أنه يزكيه إذا قبضه لما مضى من السنين؛ لما روي عن علي رضي الله عنه في الدين المظنون: (إن كان صادقا فليزكه إذا قبضه لما مضى) .

وذهب مالك إلى أنه: يزكيه إذا قبضه لعامٍ واحد وإن أقام عند المدين أعواماً، وهو قول عمر بن عبد العزيز، والحسن والليث، والأوزاعي" انتهى باختصار يسير.

والذي رجحناه هنا: هو ما يفتي به علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، والشيخ محمد بن صالح العثيمين.

وانظر جواب السؤال رقم (١١١٧) .

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله بعد عرض الأقوال في المسألة -:

"والصحيح: أنه تجب الزكاة فيه كل سنة، إذا كان على غني باذل؛ لأنه في حكم الموجود عندك؛ ولكن يؤديها إذا قبض الدين، وإن شاء أدى زكاته مع زكاة ماله، والأول: رخصة، والثاني: فضيلة، وأسرع في إبراء الذمة.

أما إذا كان على مماطل، أو معسر: فلا زكاة عليه، ولو بقي عشر سنوات؛ لأنه عاجز عنه، ولكن إذا قبضه: يزكيه مرة واحدة في سنَة القبض فقط، ولا يلزمه زكاة ما مضى.

وهذا القول قد ذكره الشيخ العنقري في حاشيته عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وأحفاده، رحمهم الله، وهو مذهب الإمام مالك رحمه الله، وهذا هو الراجح؛ لما يلي:

أولاً: أنه يشبه الثمرة التي يجب إخراج زكاتها عند الحصول عليها، والأجرة، التي اختار شيخ الإسلام وجوب الزكاة فيها حين القبض، ولو لم يتم عليها حول.

ثانياً: أن من شرط وجوب الزكاة: القدرة على الأداء، فمتى قدر على الأداء: زكَّى.

ثالثاً: أنه قد يكون مضى على المال أشهر من السنَة قبل أن يخرجه ديْناً.

رابعاً: أن إسقاط الزكاة عنه لما مضى، ووجوب إخراجها لسنَة القبض فقط: فيه تيسير على المالك؛ إذ كيف نوجب عليه الزكاة مع وجوب إنظار المعسر، وفيه أيضاً تيسير على المعسر؛ وذلك بإنظاره.

ومثل ذلك: المال المدفون المنسي، فلو أن شخصاً دفن ماله خوفاً من السرقة، ثم نسيه: فيزكيه سنة عثوره عليه فقط.

وكذلك المال المسروق إذا بقي عند السارق عدة سنوات، ثم قدر عليه صاحبه: فيزكيه لسنَة واحدة، كالديْن على المعسر" انتهى.

" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (٦ / ٢٧، ٢٨) .

والخلاصة:

عليك أن تزكي هذا المال عن السنوات الثلاثة التي كنت مشاركاً فيها لصاحبك.

وبعد ذلك ـ من أول اتفاقك معه على رد المال ـ فقد تحول هذا المال من مال مشاركة إلى دَيْن على صاحبك، والظاهر من حال صاحبك أنه معسر، فلا زكاة عليك في هذا المال حتى تقبضه، فتزكيه عن سنة واحدة فقط، وإن كان قد بقي في ذمة صاحبك عدة سنوات.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>