للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأدلة على وجوب الزكاة في عروض التجارة

[السُّؤَالُ]

ـ[ما هي الأدلة على وجوب الزكاة في عروض التجارة؟ لأني سمعت أن هناك من العلماء من أنكر وجوب الزكاة فيها.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

ذهب جماهير العلماء (ومنهم الأئمة الأربعة: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله) إلى وجوب الزكاة في عروض التجارة.

وقد استدلوا على ذلك بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة.

فمن هذه الأدلة:

١- قوله تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) . البقرة/٢٦٧. قَالَ مُجَاهِد: نَزَلَتْ فِي التِّجَارَة.

٢- وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ) . رواه أبو داود (١٥٦٢) وحسنه ابن عبد البر. ضعفه الألباني في الإرواء (٨٢٧) ، وقال الحافظ في "التلخيص" (٢/٣٩١) : في إسناده جهالة اهـ. وقال النووي في "المجموع" (٦/٥) : في إسناده جماعة لا أعرف حالهم.

٣- وروى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِم عَنْ أَبِي ذَرّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (فِي الْإِبِل صَدَقَتهَا، وَفِي الْغَنَم صَدَقَتهَا، وَفِي الْبَقَر صَدَقَتهَا، وَفِي الْبَزِّ صَدَقَته. . . الْحَدِيث) . قال الحافظ في "التلخيص" (٢/٣٩١) : إسناده لا بأس به اهـ. وصححه النووي في المجموع (٦/٤) .

وَالْبَزُّ بِالْبَاءِ وَالزَّاي (الثياب أو نوع منها) . كَذَا ضَبَطَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَالْحَدِيث صَحَّحَهُ الْحَاكِم وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْره. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَمِنْ النَّاس مَنْ صَحَّفَهُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَبِالرَّاءِ وَهُوَ

غَلَطٌ اهـ.

فهذا الحديث دليل على وجوب الزكاة في عروض التجارة، لأن الثياب لا زكاة فيها إلا إذا كانت للتجارة، فتعين حمل الحديث على ذلك.

٤- وروى البخاري (١٤٦٨) ومسلم (٩٨٣) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَالْعَبَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ! وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا) .

قال النووي في "شرح مسلم":

"قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْأَعْتَاد: آلَات الْحَرْب مِنْ السِّلَاح وَالدَّوَابّ وَغَيْرهَا , وَمَعْنَى الْحَدِيث: أَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْ خَالِد زَكَاة أَعْتَادِهِ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهَا لِلتِّجَارَةِ , وَأَنَّ الزَّكَاة فِيهَا وَاجِبَة , فَقَالَ لَهُمْ: لَا زَكَاة لَكُمْ عَلَيَّ , فَقَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ خَالِدًا مَنَعَ الزَّكَاة , فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ تَظْلِمُونَهُ ; لِأَنَّهُ حَبَسَهَا وَوَقَفَهَا فِي سَبِيل اللَّه قَبْل الْحَوْل عَلَيْهَا , فَلَا زَكَاة فِيهَا.

وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد: لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاة لَأَعْطَاهَا وَلَمْ يَشِحَّ بِهَا ; لِأَنَّهُ قَدْ وَقَف أَمْوَاله لِلَّهِ تَعَالَى مُتَبَرِّعًا فَكَيْف يَشِحّ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ؟ وَاسْتَنْبَطَ بَعْضهمْ مِنْ هَذَا وُجُوب زَكَاة التِّجَارَة , وَبِهِ قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف خِلَافًا لِدَاوُدَ" اهـ.

٥- وروى الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَعَبْد الرَّزَّاق وَالدَّارَُطْنِيّ عَنْ أَبِي عَمْرو بْن حِمَاس عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْت أَبِيعُ الْأُدْمَ فَمَرَّ بِي عُمَر بْن الْخَطَّاب فَقَالَ لِي: أَدِّ صَدَقَة مَالِك , فَقُلْت: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّمَا هُوَ فِي الْأُدْم , فَقَالَ: قَوِّمْه ثُمَّ أَخْرَجَ صَدَقَته. وضعفه الألباني في "إرواء الغليل" (٨٢٨) لجهالة أبي عمرو بن حماس. ولكن يشهد له الأثر الثاني.

٦- وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِيّ قَالَ: كُنْت عَلَى بَيْتِ الْمَالِ زَمَانَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , فَكَانَ إذَا خَرَجَ الْعَطَاءُ جَمَعَ أَمْوَالَ التُّجَّارِ ثُمَّ حَسَبَهَا , غَائِبَهَا وَشَاهِدَهَا , ثُمَّ أَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْ شَاهِدِ الْمَالِ عَنْ الْغَائِبِ وَالشَّاهِدِ. صححه ابن حزم في "المحلى" (٤/٤٠) .

٧- وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ اِبْن عُمَر رضي الله عنهما قَالَ: (لَيْسَ فِي الْعَرُوض زَكَاةٌ إِلَّا مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ) . صححه ابن حزم في "المحلى" (٤/٤٠) . والنووي في "المجموع" (٦/٥) .

وهذه الأدلة بمجموعها تدل على صحة الحكم، وإن كان كل دليل منها قد يكون فيه مناقشة، لكن اجتماع الأدلة يعطيها قوة.

ولهذا ذهب إلى القول بوجوب الزكاة في عروض التجارة جماهير العلماء، واعتبر القول بعدم وجوبها شاذاً.

حتى نقل ابن المنذر رحمه الله الإجماع على وجوبها، واعتبر قول أهل الظاهر – الذين قالوا بعدم وجوب الزكاة فيها – اعتبره قولاً شاذاً خارجاً عن الإجماع.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "والأئمة الأربعة وسائر الأمة – إلا من شذّ – متفقون على وجوبها في عرض التجارة، سواء كان التاجر مقيماً أو مسافراً. وسواء كان متربصاً – وهو الذي يشتري التجارة وقت رخصها ويدخرها إلى وقت ارتفاع السعر – أو مديراً كالتجار الذين في الحوانيت. سواء كانت التجارة بزاً من جديد، أو لبيس، أو طعاماً من قوت أو فاكهة. أو أدم أو غير ذلك، أو كانت آنية كالفخار ونحوه، أو حيواناً من رقيق أو خيل، أو بغال، أو حمير، أو غنم معلوفة، أو غير ذلك، فالتجارات هي أغلب أموال أهل الأمصار الباطنة، كما أن الحيوانات الماشية هي أغلب الأموال الظاهرة" انتهى.

"مجموع فتاوى ابن تيمية" (٢٥/٤٥) .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>