حكم العادات والتقاليد إذا خالفت الشرع أو سببت الحرج
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك عادة عند فئة من الناس في الجنازة والتعزية لأهل فقيد بين قريتين، بينهما مسافة ساعة واحدة بالسيارة، جميع أهالي القريتين مسلمون، وهناك ترابط وثيق بين أهالي القريتين من قرابة بصلة رحم، زواج، مودة، جنسية واحدة، وكلهم أو أغلبهم في المذهب الحنفي. العادة: بعد ما يحضرون الجنازة، أو زيارة أهل الفقيد للتعزية من قرية إلى أخرى ... فورا مسرعين يرجعون إلى قريتهم ولا يقبلون أن يتأخروا قليلا للضيافة عند أقاربهم (دون أهل الفقيد) ، حتى عند أرحامهم، بحجة أنه لا يليق أو لا يجوز التأخر للضيافة أو الزيارة في هذه المناسبة. السؤال: هل هذه العادة لها أصل في الدين؟ أرجو جوابا شافيا ومفصلا لأن العادة قد تؤدي إلى إحراج، توتر، وسلبيات أخرى من الناحية الاجتماعية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لِلَّه
ليس في الشرع الحنيف شيء يدل على العادات التي ذكرتها في السؤال، ويبدو أنها مما اعتاد الناس عندكم عليها في حياتهم ولا ينسبونها إلى الدين، ويبدو أيضا أنها ترجع إلى أمورهم النفسية والاجتماعية.
وعلى كل حال، فبما أن هذه العادة لم ترد في الشريعة المطهرة، لا سيما وقد ذكرت في سؤالك أن الضيافة المسئول عنها لا تكون عند أهل الفقيد، وهذا هو الذي يُنهى عنه؛ فلا ينبغي أن يتخذها الناس شرعا مقدَّسًا لا يغيرونه ولا يبدلونه، وذلك لأن في هذه العادة تقصيرا – ولو بقدر ما – في صلة الأرحام، وزيارة الأهل والإخوان، وليس ثمة سبب وجيه للتقصير في هذه الصلة، خاصةً وأن العتب من قبل الأرحام قائم على أقاربهم الذين يصلون قريتهم دون أن يأتوا لزيارتهم، وقد يكون ذلك سببا لإيغار الصدور وظنون السوء.
والعادات والتقاليد التي تخالف الشرع مخالفة ظاهرة، أو تخالف مقاصد الشريعة العامة، أو تؤدي إلى المخالفة والتقصير، يجب نبذها والسعي إلى تغييرها، ويحتاج الأمر إلى شيء من الحكمة والرفق.
يقول الشيخ السعدي رحمه الله "رسالة في أصول الفقه" (٧) :
(الأصل في العادات الإباحة إلا ما ورد عن الشارع تحريمه)
ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "مجموع الفتاوى" (٦/٥١٠) :
" الواجب على كل مسلم أن لا يعتمد على العادات، بل يجب عرضها على الشرع المطهر، فما أقره منها جاز فعله، وما لا فلا، وليس اعتياد الناس للشيء دليلا على حله، فجميع العادات التي اعتادها الناس في بلادهم أو في قبائلهم يجب عرضها على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فما أباح الله ورسوله فهو مباح، وما نهى الله عنه وجب تركه وإن كان عادة للناس " انتهى.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "تفسير سورة البقرة ٢" (٢٩٩) :
" العادات لا تجعل غير المشروع مشروعاً؛ لقوله تعالى: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا) مع أنهم اعتادوه واعتقدوه من البر؛ فمن اعتاد شيئاً يعتقده براً عُرِض على شريعة الله " انتهى.
وقد عد أهل العلم التمسك بالعادات والتقاليد التي تشق على الناس، وتؤدي إلى بعض المفاسد، أو تؤدي إلى بعض الشقاق والنزاع، أو توقع في الحرج، عد ذلك أهل العلم من الغلو المذموم، ومن التكلف والتنطع الذي جاء النهي عنه في شريعتنا.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ. قالها ثلاثا) رواه مسلم (٢٦٧٠)
قال النووي رحمه الله "شرح مسلم" (١٦/٢٢٠) :
" أي: المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم " انتهى.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في حديثه عن أقسام الغلو "مجموع الفتاوى" (٧/٧) :
" القسم الرابع: الغلو في العادات: وهو التشدد في التمسك بالعادات القديمة وعدم التحول إلى ما هو خير منها. أما إن كانت العادات متساوية في المصالح فإن كون الإنسان يبقى على ما هو عليه خير من تلقي العادات الوافدة " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب