ما هي صيغة الوصية الشرعية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك صيغ للوصية توجد في بعض المواقع على الانترنت وأريد أن أعرف مدى مشروعيتها؟ وهل يوجد لديكم صيغة محددة للوصية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (٢٧٣٨) ومسلم (١٦٢٧) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ) .
قال النووي رحمه الله: "فيه الْحَثّ عَلَى الْوَصِيَّة، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْأَمْر بِهَا، لَكِنَّ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجَمَاهِير أَنَّهَا مَنْدُوبَة لَا وَاجِبَة. وَقَالَ دَاوُدُ وَغَيْره مِنْ أَهْل الظَّاهِر: هِيَ وَاجِبَة؛ لِهَذَا الْحَدِيث، وَلَا دَلَالَة لَهُمْ فِيهِ، فَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيح بِإِيجَابِهَا، لَكِنْ إِنْ كَانَ عَلَى الْإِنْسَان دَيْن أَوْ حَقّ أَوْ عِنْده وَدِيعَة وَنَحْوهَا لَزِمَهُ الْإِيصَاء بِذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه: مَعْنَى الْحَدِيث: مَا الْحَزْم وَالِاحْتِيَاط لِلْمُسْلِمِ إِلَّا أَنْ تَكُون وَصِيَّته مَكْتُوبَة عِنْده.
وَيُسْتَحَبّ تَعْجِيلهَا، وَأَنْ يَكْتُبهَا فِي صِحَّته، وَيُشْهِد عَلَيْهِ فِيهَا، وَيَكْتُب فِيهَا مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ، فَإِنْ تَجَدَّدَ لَهُ أَمْر يَحْتَاج إِلَى الْوَصِيَّة بِهِ أَلْحَقَهُ بِهَا. قَالُوا: وَلَا يُكَلَّف أَنْ يَكْتُب كُلّ يَوْم مُحَقَّرَات الْمُعَامَلَات وَجُزْئِيَّات الْأُمُور الْمُتَكَرِّرَة" انتهى.
فالوصية نوعان:
وصية واجبة: وهي الوصية ببيان ما عليه وما له من حقوق، كدين أو قرض أو أمانات مودعة عنده، أو حقوق له في ذمم الناس، فالوصية هنا واجبة لحفظ ماله، وبراءة ذمته.
ووصية مستحبة: وهي التبرع المحض، كوصية الإنسان بعد موته في ماله بالثلث فأقل، لقريب غير وارث، أو لغيره، أو الوصية في أعمال البر من الصدقة على الفقراء والمساكين أو في وجوه الخير. ينظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (١٦/٢٦٤) .
وللإنسان أن يوصي أهله ببعض الأمور المتعلقة بجنازته، كمن يغسله ومن يصلي عليه ونحو ذلك، وأن يوصيهم بترك البدع والمحدثات، وتجنب النياحة وغير ذلك من المنهيات، لا سيما إذا كان يعلم من حالهم أنهم ربما فعلوا شيئا من ذلك.
ويدل لذلك ما رواه مسلم (١٢١) أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال وهو في سياق الموت: (فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ) .
وروى الترمذي (٩٨٦) وابن ماجه (١٤٧٦) عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ: (إِذَا مِتُّ فَلَا تُؤْذِنُوا بِي، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ النَّعْيِ) والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى أحمد (١٠١٤١) عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (إِذَا مُتُّ فَلَا تَضْرِبُوا عَلَيَّ فُسْطَاطًا، وَلَا تَتْبَعُونِي بِنَارٍ، وَأَسْرِعُوا بِي إِلَى رَبِّي، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا وُضِعَ الْعَبْدُ أَوْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ عَلَى سَرِيرِهِ قَالَ: قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي، وَإِذَا وُضِعَ الرَّجُلُ السَّوْءُ قَالَ: وَيْلَكُمْ أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِي) والحديث حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
وروى الحاكم في المستدرك (١٤٠٩) أن قيس بن عاصم رضي الله عنه أوصاهم عند موته فقال: (إذا أنا مت فلا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه) قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي في التلخيص: صحيح.
فهذا وغيره يدل على مشروعية الوصية ببعض الأمور المتعلقة بالجنازة أو بالتحذير من النياحة ونحوها.
لكن ليس للوصية صيغة معينة، يلتزم بها الإنسان، بل يوصي بما يناسب حاله وحال أهله، وما له وما عليه من الحقوق كما سبق.
والمهم ألا يُعتقد أن هناك صيغاً مأثورة، أو لابد منها. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن الوصية الواردة في كتيب: "هذه وصيتي الشرعية".
فأجابت: " بقراءة الوصية المذكورة لم يوجد فيها ما يخالف الشرع، ولكن صياغتها بشكل وصية من كل فرد وتوزيعها على الناس يوهم أنه يستحب لكل شخص أن يوصي بما فيها أو يشتريها ويدفعها لمن يتولى شأنه بعد موته، مع أنه لا داعي لذلك؛ لأن أحكام الجنائز المذكورة فيها موجودة في كتب الفقه، يراجعها من يحتاج إليها بدون إيصاء أو توزيع، لا سيما وعمل المسلمين في هذه البلاد والحمد لله في أحكام الجنائز يتمشى على السنة " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (١٦/٢٨٩) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب