أحب نصرانية على حساب زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب أحب فتاة نصرانية وهو يوليها عنايته وشعر بالذنب، فيريد أن يهجر زوجته الأولي (أم أولاده) ثم يدعو الفتاة النصرانية للإسلام وبعد إسلامها يتزوجها.
وهجره لزوجته الأولي لا يعني الطلاق لئلا يظلم ولديه الصغيرين، وزوجته الأولى غضبت غضبا شديدا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
أحسن السائل كل الإحسان بعنايته بإرشاد صديقه في ضوء تعاليم الإسلام وهذا من كمال المحبة والأخوة الإسلامية، فقد قال صلى الله عليه وسلم (الدين نصيحة) رواه الإمام مسلم , ولو انتشر بين المسلمين مثل هذه المعاني الطيبة لكان حالهم أفضل بكثير مما نحن عليه، خاصة في بلاد غربة الدين وأهله. فالمسلم أشد ما يكون حاجة لأخيه المسلم يبذل له النصح ويحب لأخيه ما يحب لنفسه، ورب كلمة طيبة أو
نصيحة خالصة يتكلم بها المرء لا يلقي لها بالاً ينال بها من رضوان الله ما لا يشقى بعده أبداً.
ولابد لصديقك إذا أراد معرفة الحق أن يكون صريحاً مع نفسه ويتجرد من ضغوط النفس خاصة في مثل هذه المواضيع.
ثم إن في نص السؤال اعترافاً بأن محبته للفتاة النصرانية ذنب إذ كيف يصح للمسلم أن يحب امرأة بهذه الطريقة وهي امرأةٌ أجنبية عنه وليست زوجة له، ويقال له:هذه المرأة عرض الغير فكما أنك لا ترضى أن يحب رجل غريب ابنتك أو أختك وليس زوجاً لها فكذلك نساء الآخرين.
فلا يسمح بمثل هذه المحبة إلا بزواج مبني على المقاصد الشرعية الصحيحة لا مجرد محبة يصرح السؤال بأنها ذنب، وديننا الحنيف عندما نظم العلاقات بين الرجل والمرأة جعل هناك طريقاً صحيحاً لصرف هذه العلاقات، فكان الزواج فاتحة هذه العلاقات لا نتيجة لها فليس الزواج نتيجة لمحبة هي ذنب ربما كان الزواج مجرد تبرير لها،ثم إن تنظيم هذه العلاقات إنما هو لمصلحة المجتمع المسلم واستقراره وسلامته، إذ أن مخالفة هدي الشرع في ذلك يؤدي إلى مفاسد كثيرة لعل من أمثلتها ما ورد في السؤال من اضطراب في زواجه الأول.
والخطأ يجر إلى خطأ آخر وثالث وهكذا فهذا الشاب – أسعده الله في الدنيا والآخرة – أراد أن يصلح هذا الذنب بهجران زوجته الأولى وهذا ذنب آخر لعله لا يقل عن الأول، والخطأ لا يُصلح بخطأ آخر.
فإن الإسلام حينما أباح التعدد ضمن العدل للزوجات فأوجب العدل بينهن قال تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم (النساء / ٣، ولا شك أنه ليس من العدل هجران الزوجة الأولى للتزوج بالثانية، حتى لو فرضنا أن القصد بهذا حسن وهو اعتناق النصرانية للإسلام فإن إسلام الثانية لا يدعو إلى ظلم الأولى، والغاية لا تبرر الوسيلة، ثم إن دعوة النصرانية للإسلام له وسائل كثيرة جداً يمكن استعمالها.
وكم من شخص دُعي إلى الإسلام دون ظلم أو ارتكاب ذنب.
وبناء على هذا فلا شك أن زوجته الأولى ستغضب ولو أنه في موقف مشابه لموقفها لغضب غضباً شديداً.
أخي: تأمل معي هذا الحديث النبوي الشريف: (من كان له امرأتان فمال إلى أحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) . رواه الترمذي ١١٤١ والنسائي ٣٩٤٢ وأبو داود ٢١٣٣ وهو صحيح في أرواء الغليل ٧/٨٠ رقم ٢٠١٧
فهل تحب أن تأتي يوم القيامة وشقك مائل؟ لاشك أنك لا تحب ذلك.
كل ما مضى فيما لو أراد هجران زوجته الأولى لفترة مؤقتة. أما لو أراد هجرانها إلى الأبد فالأمر أشد ولا أدري أيهما يُراد في السؤال؟
وإذا فرضنا أنك تزوجت هذه المرأة بعد إسلامها ثم علمت بامرأة أخرى ربما يكون زواجك بها ثالثة سبباً في إسلامها ولكنك لم تعرفها ولا تحبها فهل ستهجر الثانية لتعتنق تلك الإسلام وان كنت لا تحبها؟ أجب نفسك بصراحة.
ختاماً: لا أنصحك بالزواج من هذه الفتاة النصرانية في مثل هذه الحال حيث أنه مبني على خطأ سابق وهو محبتها بلا حق. نعم تُشكر على حرصك على هداية غيرك إلى الإسلام، ويمكن إهداؤها بعض الكتب والنشرات والأشرطة الإسلامية عن الإسلام ودلالتها على المراكز الإسلامية والداعيات المسلمات، أو السعي لأن يتزوجها أحد المتمسكين بدينهم ممن يكون لها عونا على ثباتها لكن بلا ظلم لزوجة سابقة ولا غير ذلك.
ثانيا: يجب العدل بين الزوجات في المبيت والنفقة ولا يجوز هجران الزوجة الأولى بلا حق ولو لمقصد نبيل.
ثالثا: المسلم الحريص على سلامة دينه يبتعد عن المحبة غير المبنية على أساس صحيح. وإن كان ذلك شديداً على النفس في أول الأمر ولكن كما قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) العنكبوت / ٦٩، وقال صلى الله عليه وسلم (إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا أبدلك الله به ما هو خير لك منه) . رواه الإمام أحمد ٢٠٢٢٢، وصححه الألباني (السلسة الضعيفة /٥)
وما أحراك أن تشتري رحمة الله والجنة بأن تحسن إلى أم أبنائك وترضيها كما أغضبتها، وتسرها بعد أن أحزنتها بعد أن عاشت معك أكثر من سبع سنين.
والله يوفقك لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب