للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

موقف الإسلام من المهن والوظائف الدنيئة والمرموقة

[السُّؤَالُ]

ـ[هل يوجد في الإسلام أعمال، ووظائف حقيرة، وأعمال مرموقة؟ وهل حرص الإنسان على الطموح في أن ينال المناصب الرفيعة في عمله ضد الرضا؟ ومتى يتعارض الطموح مع الرضا؟ وهل حرص الإنسان على أن يعمل في وظائف ذات وجاهة في المجتمع يتعارض مع الزهد في الدنيا وعدم جعلها أكبر همه، أم أنه أمر عادى لا يمنعه الشرع؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

جعل الله هذه الدنيا مطية الآخرة؛ وسبباً يستعين بها الإنسان على أمر الآخرة؛ ولذلك بيَّن الله في كتابه أنه سخَّر الأرض وما فيها للإنسان، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً) البقرة/٢٩ , وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) الملك/ ١٥.

قال ابن كثير رحمه الله:

أي: فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها، وأرجائها، في أنواع المكاسب، والتجارات.

"تفسير ابن كثير" (٨/١٧٩) .

وكثير من الآيات والأحاديث جاءت بالحث على الكسب، والضرب في الأرض , وكل ذلك من أجل تحصيل المال، ليس لمجرد جمعه، بل ليكف به وجهه، ويصل به رحمه، ويستعين به على طاعة ربِّه.

قال ابن القيم رحمه الله - مبيِّناً فضل المال وأهميته -:

وقد سمَّى سبحانه المال خيراً في غير موضع من كتابه، كقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ) البقرة/ ١٨٠، وقوله (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) العاديات/ ٨ ... وأعلم الله سبحانه أنه جعل المال قِواماً للأنفس، وأمر بحفظه، ونهى أن يؤتى السفهاء من النساء والأولاد وغيرهم، ومدحه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ) – رواه أحمد بإسناد صحيح -، وقال سعيد بن المسيب: "لا خير فيمن لا يريد جمع المال من حلِّه، يكفُّ به وجهه عن الناس , ويصل به رحمه , ويعطي حقه"، وقال أبو إسحاق السبيعى: "كانوا يرون السعة [الغنى] عوناً على الدِّين"، وقال محمد بن المنكدر: "نعمَ العون على التقى: الغنى"، وقال سفيان الثورى: "المال في زماننا هذا سلاح المؤمن"، وقال يوسف بن سباط: "ما كان المال في زمان منذ خلقت الدنيا أنفع منه في هذا الزمان" ... .

وقد جعل الله سبحانه المال سبباً لحفظ البدَن , وحفظه سببٌ لحفظ النفس التي هي محل معرفة الله، والإيمان به , وتصديق رسله، ومحبته، والإنابة إليه، فهو سبب عمارة الدنيا، والآخرة ... .

ومن فوائد المال: أنه قِوام العبادات والطاعات، وبه قام سوق برِّ الحج والجهاد , وبه حصل الإنفاق الواجب والمستحب , وبه حصلت قربات العتق، والوقف، وبناء المساجد، والقناطر، وغيرها , وبه يتوصل إلى النكاح الذي هو أفضل من التخلي لنوافل العبادة , وعليه قام سوق المروءة , وبه ظهرت صفة الجود والسخاء , وبه وُقيت الأعراض , وبه اكتسبت الإخوان والأصدقاء , وبه توصل الأبرار إلى الدرجات العلى , ومرافقة الذين أنعم الله عليهم؛ فهو مرقاة يصعد بها إلى أعلى غرف الجنة , ويهبط منها إلى أسفل سافلين , وهو مقيم مجد الماجد، كان بعض السلف يقول: "لا مجد إلا بفعال , ولا فعال إلا بمال"، وكان بعضهم يقول: "اللهم إني من عبادك الذين لا يصلحهم إلا الغنى"، وهو من أسباب رضا الله عن العبد، كما كان من أسباب سخطه عليه.

"عدة الصابرين" (ص٢٢١ – ٢٢٣) باختصار.

ولتحقيق هذه الغايات الشريفة للمال: عمل الأنبياء، والرسل بمهن، وحرَف، ووظائف مختلفة، ففي الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَاّ رَعَى الْغَنَمَ) ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: (نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ) رواه البخاري (٢١٤٣) ، وكذا عملَ نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم بالتجارة مع عِّه أبي طالب , ثم عمل في التجارة في أموال زوجه خديجة رضي الله عنها، كما هو مشهور في السيرة.

وفي الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (كَانَ زَكَرِيَّاءُ نَجَّاراً) رواه مسلم (٢٣٧٩) .

وقد أخبر الله تعالى عن عمل داود عليه السلام بقوله: (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ) الأنبياء /٨٠.

وعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ الْمِقْدَامِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) رواه البخاري (١٩٦٦) .

فداود عليه السلام كان نبياً وملكاً، أتاه الله ملكاً عظيماً، ومع ذلك كان عليه السلام يأكل من عمل يده، فكان يعمل الدروع من الحديد ويبيعها.

وقد أكد الإسلام مبدأ السعي في الأرض، وطلب الرزق، فعن ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: "كَانَ "ذُو الْمَجَازِ"، و "عُكَاظٌ" مَتْجَرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلَامُ كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ" رواه البخاري (١٦٨١) .

وقد نص الفقهاء والمحدثون على ذلك؛ فبوب البخاري في صحيحه في كتاب البيوع باب "الخروج في التجارة وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) الجمعة/١٠"، ثم ذكر حديث أبي موسى الأشعري مع عمر وقول عمر: (أَلْهَانِى الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ) يَعْنِي: الْخُرُوجَ إِلَى تِجَارَةٍ. رواه البخاري (١٩٥٦) ومسلم (٢١٥٣) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

قَالَ اِبْن الْمُنَيِّر فِي "الْحَاشِيَةِ": غَرَضُ الْبُخَارِيِّ إِجَازَةُ الْحَرَكَاتِ فِي التِّجَارَةِ , وَلَوْ كَانَتْ بَعِيدَةً، خِلَافًا لِمَنْ يَتَنَطَّعُ وَلَا يَحْضُرُ السُّوقَ.

"فتح الباري" (٤/٣٤٩) .

وبوب البخاري - كذلك -: "باب التِّجَارَةِ فِي الْبَحْرِ" , و "باب ما قيل في الصواغ" , و "باب ذكر القين والحداد" , و "باب الخياط" , و "باب النساج"، و "باب النجَّار" ... إلخ.

وأراد البخاري بهذه التبويبات وأحاديثها: التدليل على مشروعية العمل، والاحتراف، والتمهن.

فما يظنه بعض الناس من أن الإسلام لا يحث على التكسب، والعمل، فهو ظن غير صحيح.

وما يظنه كثيرون في بعض المهن أنها دنيئة – كالنجارة، والحدادة، والرعي -: فغير صحيح، ويكفي لردِّه ثبوت هذه المهن، والأعمال لخيرة خلق الله، وهم الأنبياء، والرسل، عليهم السلام.

ثانياً:

لا يعارض الإسلام أن يكون الإنسان في مهنة مرموقة، ووظيفة حسنة، بل يشجع الإسلام على ذلك , وأن يكون الإنسان في أحسن مستوى، وأكمل حال , بل وأن يطلب الأفضل والأحسن، ويسعى لتحصيله، بشرط أن لا يؤثر ذلك على دينه، واستقامته، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ) رواه مسلم (٢٦٦٤) ، و (خَيْر) نكرة تعم كل خير في الدنيا، والآخرة.

وقد كره الإسلام مزاولة بعض المهن الدنيئة , وأمر المسلم أن يترفع عنها , كما جاء في الحديث عَنِ ابْنِ مُحَيِّصَةََ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي إِجَارَةِ الْحَجَّامِ فَنَهَاهُ عَنْهَا فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَأْذِنُهُ حَتَّى قَالَ: (اعْلِفْهُ نَاضِحَكَ [البعير] وَأَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ) رواه أبو داود (٣٤٢٢) والترمذي (١٢٧٧) وحسَّنه.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة - كسب الحجام - فَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّهُ حَلَال ... وَقَالُوا: هُوَ كَسْب فِيهِ دَنَاءَة، وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، فَحَمَلُوا الزَّجْر عَنْهُ عَلَى التَّنْزِيه.

"فتح الباري" (٤/٤٥٩) .

وقال رحمه الله:

إِذْ لَا يَلْزَم مِنْ كَوْنهَا مِنْ الْمَكَاسِب الدَّنِيئَةِ أَنْ لَا تُشْرَع؛ فَالْكَسَّاحُ أَسْوَأ حَالًا مِنْ الْحَجَّام، وَلَوْ تَوَاطَأَ النَّاس عَلَى تَرْكِهِ لَأَضَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ.

"فتح الباري" (٤/٣٢٤) .

وقال ابن قدامة رحمه الله:

وإنما كره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك للحرِّ تنزيهاً؛ لدناءة هذه الصناعة، وأمرُه صلى الله عليه وسلم بإطعام الرقيق منها: دليل على الإباحة، فيتعين حمل نهيه عن أكلها على الكراهة دون التحريم.

"المغني" (٦/١٣٣) .

فيتحصل من هذا: أنه يوجد مهَن، ووظائف، يمكن الاصطلاح عليها بأنها "دنيئة"، كالحجامة، وكجمع القمامة، والعمل في المجاري، ونحو ذلك.

وننبه هنا إلى أمور:

١- لا يعني أنها مهن دنيئة أنه يحرم العمل بها، وقد سبق بيان ذلك.

٢- قد تكون هذه المهن مناسبة لبعض الأشخاص، لكونه لا يحسن غيرها ـ مثلاً ـ فعمله بها خير له من البطالة، وأخذ الصدقات من الناس.

٣- لا شك أن المجتمع المسلم يحتاج لهذه المهن، وهي ضرورية، فعدم جمع القمامة لأيام قليلة يعني صعوبة الحياة في ذلك المجتمع، ويعني انتشار الأمراض والأوبئة، ولذلك يجب على الدولة الإسلامية أن تُكرم أهل هذه الوظائف بميزات تشجيعية، حتى لا ينقطع الناس عن العمل بها.

٤- لا ينبغي تعيير من يعمل بهذه المهن أو إهانتهم، ممن قلَّت عنده فرص التعليم، أو كان ضعيف العقل، أو كانت له ظروف خاصة ألجأته إلى العمل في هذه المهن، فالعاملون بها بلا شك أفضل ممن يمد يده للناس، ويعرِّض وجهه للمذلة.

ثالثاً:

حث الإسلام على تحصيل الكمال الديني، أو الدنيوي لا يعارض الرضا بما قسم الله تعالى للإنسان؛ لأن من أسباب نيلها: بذل الأسباب , فمباشرة الأسباب التي خلقها الله بحكمته، وتدبيره: تُفضي في الأغلب الأعم إلى تحصيل مسبباتها.

وأما إذا طلبها الإنسان بغير ما أحله الله، كطلبها بمعصية، أو غش، أو تدليس وكذب، أو رشوة، وكان همه الأعظم تحصيل هذه المنافع الدنيوية من غير استثمارها في طاعة الله: فقد خالف الرضا بما قسم الله، ووقع في معصيته.

وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً عظيماً لحِرص الإنسان على المال، والجاه، ففي الحديث عن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ) رواه الترمذي (٢٣٧٦) وصححه الألباني في "سنن الترمذي".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

ولا ريب أن الحرص، والرغبة في الحياة الدنيا , وفي الدار الدنيا، من المال، والسلطان: مضرٌّ، كما روى الترمذي عن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ) وقال: حديث حسن صحيح.

فذم النبي صلى الله عليه وسلم الحرص على المال، والشرف - وهو الرياسة والسلطان - وأخبر أن ذلك يفسد الدِّين، مثل، أو فوق: إفساد الذئبيْن الجائعيْن لزريبة الغنم.

"مجموع الفتاوى" (٢٠/١٤٢) .

وقال ابن القيم رحمه الله:

وإنَّما يُذم منه [المال] ما استخرج من غير وجهه , وصرف في غير حقه , واستَعْبَد صاحبه , وملَك قلبَه , وشغله عن الله، والدار الآخرة؛ فيذم منه ما يتوصل به صاحبه إلى المقاصد الفاسدة، أو شغله عن المقاصد المحمودة، فالذم للجاعل، لا للمجعول، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ) – رواه البخاري (٢٧٣٠) - فذمَّ عبدَهما، دونهما ... .

"عدة الصابرين" (ص٢٢١، ٢٢٢) .

وأما الزهد في الدنيا: فلا يعارض طلب المال، والعمل بالوظائف المرموقة، وانظر في ذلك جواب السؤال رقم: (١٠٥٣٥٢) .

وأخيراً ... يجب أن يعلم أن طلب الوظائف المرموقة، والمناصب العالية لا يجوز إلا لمن أخذها بحقها وأدى الحق الذي عليه فيها، أما من أخذها بغير حقها، أو لم يتق الله فيها، ولم يقم بالواجب عليها، بل أخذها وسيلة لظلم الناس وقهرهم، والاستعلاء عليهم، أو لجمع المال ولو من الحرام، فتلك المناصب والرياسة ستكون وبالاً على صاحبها يوم القيامة.

وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (٧١٤٨) .

وروى مسلم (١٨٢٥) عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي، قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا) .

قال النووي رحمه الله "شرح صحيح مسلم":

"هَذَا الْحَدِيث أَصْل عَظِيم فِي اِجْتِنَاب الْوِلَايَات , لَا سِيَّمَا لِمَنْ كَانَ فِيهِ ضَعْف عَنْ الْقِيَام بِوَظَائِفِ تِلْكَ الْوِلَايَة , وَأَمَّا الْخِزْي وَالنَّدَامَة فَهُوَ حَقّ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهَا , أَوْ كَانَ أَهْلًا وَلَمْ يَعْدِل فِيهَا فَيُخْزِيه اللَّه تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة وَيَفْضَحهُ , وَيَنْدَم عَلَى مَا فَرَّطَ , وَأَمَّا مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ , وَعَدَلَ فِيهَا , فَلَهُ فَضْل عَظِيم , تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة كَحَدِيثِ: (سَبْعَة يُظِلّهُمْ اللَّه) ... وَغَيْر ذَلِكَ , وَإِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ مُنْعَقِد عَلَيْهِ , وَمَعَ هَذَا فَلِكَثْرَةِ الْخَطَر فِيهَا حَذَّرَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا , وَكَذَا حَذَّرَ الْعُلَمَاء , وَامْتَنَعَ مِنْهَا خَلَائِق مِنْ السَّلَف , وَصَبَرُوا عَلَى الْأَذَى حِين اِمْتَنَعُوا" انتهى.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>