للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تبنَّته أسرة بسبب فساد أهله، ونسبوه لهم، فماذا يترتب على ذلك التصرف؟

[السُّؤَالُ]

ـ[عمري ١٥ سنة، وقد تبنتني عائلة أفغانية عندما كان عمري ستة أشهر، وذلك بسبب أن والداي كانا فاسدين، ولم يكونا يصلحان لتربيتي، وتم تغيير اسمي، ولكنني لم أرضع من والدتي التي تبنَّتني، فهل يعني هذا أنها ليست محرَماً لي، وأنه يجب أن لا تظهر عليّ؟ وما هي الأحكام المتعلقة بحالتي؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

كان التبني أول أمر الإسلام جائزاً، وكان يُنسب المتبنَّى إلى من تبنَّاه، ثم حرَّمه الله تعالى، وأمر بأن يُنسب كل أحدٍ لأبيه.

قال الله تعالى: ( ... وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/ ٤، ٥.

ولا يُعرف خلاف بين العلماء في هذا الحكم.

وفي "الموسوعة الفقهية" (١٠/١٢١، ١٢٢) :

"حرَّم الإسلام التبنِّي، وأبطل كل آثاره، وذلك بقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) ، وقوله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ) .

وقد كان التبنِّي معروفاً عند العرب في الجاهلية، وبعد الإسلام، فكان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه من الرجل جَلَده، وظَرْفَه ضمَّه إلى نفسه، وجعل له نصيب ابنٍ مِن أولاده في الميراث، وكان يُنسب إليه فيقال: فلان بن فلان، وقد تبنَّى الرسولُ صلى الله عليه وسلم زيدَ بن حارثة قبل أن يشرِّفه الله بالرسالة، وكان يُدْعى " زيد بن محمد واستمر الأمر على ذلك إلى أن نزل قول الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ) إلى قوله: (وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) ، وبذلك أبطلَ الله نظام التبنِّي، وأمرَ مَن تبنَّى أحداً ألا يَنسبه إلى نفسه، وإنما يَنسبه إلى أبيه إن كان له أب معروف، فإن جُهل أبوه: دُعيَ " مولى "، " وأخا في الدين "، وبذلك مُنع الناس من تغيير الحقائق، وصِينت حقوق الورثة من الضياع، أو الانتقاص" انتهى.

وعليه: فيجب على تلك الأسرة المبادرة لإصلاح ما أفسدوه، وعليهم إبطال نسبك إليهم في الأوراق، والوثائق الرسمية، وعليهم إرجاع الأمور لنصابها الشرعي، وذلك بالشهادة على نسبك الحقيقي، وتثبيت ذلك في الوثائق، وفساد الأسرة ليس عذراً في نفي النسبة إليهم.

وبهذا يُعلم الجواب عن أصل السؤال، وهو أن الأسرة التي تتبنى ذكراً، أو أنثى: فإنه لا يكون بينهم علاقة نسب بذلك التبني، وعليه: فهم أجانب، لا يحل معاملتهم كما تُعامل الأسرة في الأحكام، فالمرأة التي تبنتْك: أجنبية عنك، ولا يحل لك رؤيتها، فضلاً عن مسِّها، وتقبيلها، ولا تكون محرَماً لها، ولا لبناتها.

والنبي صلى الله عليه وسلم تزوج بزوجة ابنه المتبنَّى "زيد" – وهي زينب بنت جحش رضي الله عنها - بعد تطليق زوجها له، وهذا تطبيق عملي من الرسول صلى الله عليه وسلم لإبطال آثار التبني.

نعم، لو أن تلك المرأة المتبنية قد أرضعت الطفل المتبنى وهو دون السنتين، خمس رضعات: لصار ابناً لها في الرضاعة، ولصار زوجها أباً له في الرضاعة، ولصار أولادهم جميعاً إخوة له وأخوات في الرضاعة، وبما أن ذلك لم يكن – بحسب قولك -: فتكون تلك المرأة أجنبية عنك، وعليها الاحتجاب عنك، وتعامل كما تعامل المرأة الأجنبية في الأحكام.

وينبغي لك أن تبرَّ تلك الأسرة، وتعتني بأحوالهم، وتتفقد أمورهم؛ لما لهم من فضل عليك.

وانظر – لمزيد فائدة – أجوبة الأسئلة: (٤٦٩٦) و (٦١٠٢) و (٩٥٢١٦) .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>