حول سيف النبي صلى الله عليه وسلم " البتار " وآثاره في المتاحف
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد شاهدت صوراً لسيف يسمى " البتَّار "، ويقال إنه كان للرسول صلى الله عليه وسلم، وإنه منقوش عليه أسماء الأنبياء، وصورة للنبي داود عليه السلام وهو يقطع رأس جالوت، وقد شاهدت هذه الصور وقرأت هذا الكلام في الموقع:
http://www.usna.edu/Users/humss/bwheeler/swords/batar.html
وسؤالي هو:
إذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم صور الأشخاص والحيوانات، فكيف يمتلك سيفاً عليه صور؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ورد في كتب السيرة أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم عدة أسياف، وقد ذكر بعض العلماء أنها تسعة أسياف، وليس يثبت من ذلك في السنة الصحيحة إلا واحد فقط! .
قال ابن القيم – رحمه الله -:
كان له – صلى الله عليه وسلم - تسعة أسياف:
" مأثور "، وهو أول سيف ملكه، ورثه من أبيه، و " العضب " و " ذو الفقار " - بكسر الفاء وبفتح الفاء - وكان لا يكاد يفارقه، وكانت قائمته، وقبيعته، وحلقته، وذؤابته، وبكراته، ونعله من فضة، و " القلعي "، و " البتار "، و " الحتف "، و " الرسوب "، و " المخذم "، و " القضيب "، وكان نعل سيفه فضة، وما بين حلق فضة.
وكان سيفه " ذو الفقار " تنفله يوم بدر، وهو الذي أُري فيها الرؤيا.
ودخل يوم الفتح مكة وعلى سيفه ذهب وفضة [ضعفه الألباني في مختصر الشمائل (٨٧) ]
" زاد المعاد " (١ / ١٣٠) . وانظر: التراتيب الإدارية، للكتاني (١/٣٤٣) .
ومما ثبت من ذلك في السنَّة الصحيحة " ذو الفقار ":
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَفَّلَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ.
رواه الترمذي (١٥٦١) وابن ماجه (٢٨٠٨) وحسنه الألباني في " صحيح ابن ماجه ".
وقوله: (تنفل سيفه) أي: أخذه زيادة عن السهم.
ورواه أحمد (٢٤٤١) – وحسنه الأرناؤط - بأتم من هذا، وفيه بيان الرؤيا:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَنَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُوَ الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: (رَأَيْتُ فِي سَيْفِي ذِي الْفَقَارِ فَلًّا فَأَوَّلْتُهُ فَلا يَكُونُ فِيكُمْ، وَرَأَيْتُ أَنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا فَأَوَّلْتُهُ كَبْشَ الْكَتِيبَةِ، وَرَأَيْتُ أَنِّي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ، وَرَأَيْتُ بَقَرًا تُذْبَحُ فَبَقَرٌ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَبَقَرٌ وَاللَّهِ خَيْرٌ) فَكَانَ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وسمِّي سيف النبي صلى الله عليه وسلم " ذا الفقار " لأنه كانت فيه حفر صغار حسان، ويقال للحفرة فقرة، وهو أشهر سيوفه.
وأما سيفه " البتَّار " فقد جاء ذِكره عند ابن سعد في " الطبقات " (١ / ٤٨٦) لكنه مرسل – وهو من أقسام الضعيف -، وفي سنده الواقدي، وأحاديث غير صحيحة.
قال الحافظ العراقي – رحمه الله -:
ولابن سعد في " الطبقات " من رواية مروان بن أبي سعيد ابن المعلى مرسلاً قال: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف: سيف " قلعي "، وسيف يدعى " بتَّارا "، وسيف يدعى " الحتف "، وكان عنده بعد ذلك " المخذم "، و " رسوب "، أصابهما من الفلْس.
وفي سنده الواقدي.
" تخريج أحاديث الإحياء " (٢٤٧١) .
و" القلعي " نسبة إلى " مرج القلعة " موضع بالبادية.
وإذا كان لم يثبت في السنَّة الصحيحة وجود سيف بهذا الاسم للنبي صلى الله عليه وسلم: فكيف نصدق وجوده على تلك الصورة التي ينشرها من يزعم أنها صورة سيف النبي صلى الله عليه وسلم؟! .
ثانياً:
قد ورد في السنة الصحيحة وصف سيف النبي صلى الله عليه " ذو الفقار "، وليس فيه أنه يحوي صوراً لأحدٍ، وكيف يمكن أن يقتني النبي صلى الله عليه وسلم سيفاً كهذا، وهو الذي نهى عن الصور وأمر بطمسها؟! .
وعندما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة لم يدخل الكعبة إلا بعد أن أمر بطمس ما كان فيها من صور.
عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ زَمَنَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ أَنْ يَأْتِيَ الْكَعْبَةَ فَيَمْحُوَ كُلَّ صُورَةٍ فِيهَا، فَلَمْ يَدْخُلْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مُحِيَتْ كُلَّ صُورَةٍ فِيهَا.
رواه أبو داود (٤١٥٦) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقد ثبت في السنَّة أن مقبض سيفه " ذو الفقار " كان من فضة.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَالَ: كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ.
رواه النسائي (٥٣٧٣) وصححه الألباني في " صحيح النسائي ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
والسيف يباح تحليته بيسير الفضة فإن سيف النبي كان فيه فضة.
" مجموع الفتاوى " (٢٥ / ٦٤) .
ثالثاً:
يردُّ على ما ورد في الموقع – من وجه آخر - من زعمهم أن هذا سيف النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يثبت بقاء شيء من آثار النبي صلى الله عليه وسلم على وجه اليقين، فقد زُعم وجود نعل وشعر وثياب وأحجار تخص النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة في العالم، وكل دولة تزعم أنها المحقة وغيرها ليس محقّاً، وثبت في القديم والحديث زيف ادعاءات كثيرين بنسبة ما يملكونه للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لما في ذلك من التكسب من أموال الناس.
وقد ذكر ابن طولون في كتابه " مفاكهة الخلان في حوادث الزمان " في حوادث سنة تسع عشرة وتسعمائة أن بعضهم زعم أنه يملك قدحاً وبعض عكاز للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه " تبيَّن أنهما ليسا من الأثر النبوي، وإنما هما من أثر الليث بن سعد "!!
وقد حافظ بعض الخلفاء والكبراء على بعض آثار النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ذهب كثير منها في الفتن التي تعاقبت على دولة الإسلام.
ومن ذلك: إحراق التتار عند غزوهم بغداد (سنة ٦٥٦ هـ) بردة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي فتنة تيمورلنك في دمسق (سنة ٨٠٣ هـ) ذهب نعلان ينسبان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولذا شكك الأئمة بثبوت شيء من آثار النبي صلى الله عليه وسلم باقٍ إلى الآن، بل إن منهم من جزم بعدم ثبوته.
١. قال ابن كثير – رحمه الله – وهو يتحدث عن أثواب النبي صلى الله عليه وسلم -:
قلت: وهذه الأثواب الثلاثة لا يدرى ما كان من أمرها بعد هذا.
" البداية والنهاية " (٦ / ١٠) ، و" السيرة النبوية " (٤ / ٧١٣) .
٢. وقال السيوطي – رحمه الله -:
وقد كانت هذه البردة عند الخلفاء يتوارثونها ويطرحونها على أكتافهم في المواكب جلوساً وركوباً، وكانت على المقتدر حين قتل وتلوثت بالدم، وأظن أنها فقدت في فتنة التتار، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
" تاريخ الخلفاء " (ص ١٤) .
٣. ويقول العلامة أحمد تيمور باشا - بعد أن سرد الآثار المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالقسطنطينية في (إسطنبول) ـ:
لا يخفى أن بعض هذه الآثار محتمل الصحة؛ غير أنّا لم نرَ أحداً من الثقات ذكرها بإثبات أو نفي، فالله سبحانه أعلم بها، وبعضها لا يسعنا أن نكتم ما يخامر النفس فيها من الريب ويتنازعها في الشكوك.
" الآثار النبوية " (ص ٧٨) .
وقال في (ص ٨٢) - بعد أن ذكر أخبار التبرك بشعرات الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل أصحابه رضي الله عنهم -:
فما صح من الشعرات التي تداولها الناس بعد بذلك: فإنما وصل إليهم مما قُسم بين الأصحاب رضي الله عنهم، غير أن الصعوبة في معرفة صحيحها من زائفها. انتهى
٤. وقال الشيخ الألباني – رحمه الله -:
هذا ولا بد من الإشارة إلى أننا نؤمن بجواز التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم ولا ننكره، خلافاً لما يوهمه صنيع خصومنا، ولكن لهذا التبرك شروطاً، منها:
الإيمان الشرعي المقبول عند الله، فمن لم يكن مسلماً صادق الإسلام: فلن يحقق الله له أي خير بتبركه هذا.
كما يشترط للراغب في التبرك أن يكون حاصلاً على أثر من آثاره صلى الله عليه وسلم ويستعمله.
ونحن نعلم أن آثاره من ثياب، أو شعر، أو فضلات: قد فقدت، وليس بإمكان أحد إثبات وجود شيء منها على وجه القطع واليقين.
" التوسل " (١ / ١٤٥) .
٥. وقال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله – في مقال " تعقيب على ملاحظات الشيخ محمد المجذوب بن مصطفى -:
وأما ما انفصل من جسده صلى الله عليه وسلم أو لامسه: فهذا يُتَبَرَّك إذا وُجد وتحقق في حال حياته وبعد موته إذا بقي، لكن الأغلب أن لا يبقى بعد موته، وما يدَّعيه الآن بعض الخرافيين من وجود شيء من شعره أو غير ذلك: فهي دعوى باطلة لا دليل عليها ... .
لا وجود لهذه الآثار الآن؛ لتطاول الزمن الذي تبلى معه هذه الآثار وتزول؛ ولعدم الدليل على ما يُدَّعى بقاؤه منها بالفعل.
" البيان لأخطاء بعض الكتَّاب " (ص ١٥٤) .
٦. وتحت عنوان " هل يوجد شيء من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم في العصر الحاضر " بيَّن الدكتور ناصر بن عبد الرحمن الجديع في " التبرك، أنواعه وأحكامه " - (ص ٢٥٦ - ٢٦٠) - أنه يشك في ثبوت نسبة ما يوجد الآن من هذه الآثار إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبيَّن فقدان الكثير من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم على مدى القرون والأيام بسبب الضياع، أو الحروب والفتن. انتهى
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب