متابعة أخبار الممثلين فراغ وضياع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم متابعة أخبار الممثلين والممثلات والفساق وإن لم يقلدهم، وخاصة إن كانوا من الكفار أيضا، لكن لا يتأثر بهم، فقط للتسلية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثمة كثير من الأمور التي يتجاوز خطرها الفرد إلى خطورة كامنة على المجتمع كله: على ثقافته، وأخلاقه، وقيمه، وعلى مستقبله المرهون بحاضره وماضيه، ولكنَّ كُمونَ خطورتها تغرُّ بعض الناس حين يقيسها على مستواه الشخصي، وهي في الحقيقة تؤثر فيه أوَّلًا، ثم في غيره ثانيا.
ولعل من أخطر الجوانب الثقافية التي تواجهها مجتمعاتنا اليوم هي " الفن والتمثيل "، فقد غدت البيوت اليوم رهينةَ تلك الشاشات الفضائية المشبعة بالمسلسلات، والأفلام، والمسرحيات، وأبطال السينما والغناء والطرب، ولا يكاد ينجو أحد من هذه البؤر المظلمة إلا القليل، فلكِ أن تتخيلي أختي السائلة حجم الضخ الثقافي الهائل الذي يتدفق من هذه الفئة من الناس!
ولو سألنا أنفسنا من أين وفدت علينا ثقافة الغرب الكافر بل الملحد، ومن أين وفدت إلينا فنون العلاقات المحرمة بين الجنسين، وما الذي أوقد سعار الشهوة والفتنة، وكيف تسلَّلت إلينا عادات أمم تخبطت في الجهل واللذة والشهوة، بل من أين تعلَّمَ أبناؤُنا الجريمة والقطيعة والتيه والضياع، وما الذي حوَّلَ عقول وقلوب كثير من الناس إلى مسرحٍ للأوهام والأحلام الضائعة والأماني الكاذبة.
ولو سألنا أنفسنا أين ذهبت طاقات الشباب، وفي أي شيء صرفت الأعمار، ولماذا ضعف البناء، وكثر الهدم، وماتت الهمم، وطغى سلطان الغفلة، ما الذي تربى أبناؤنا عليه، وشغل فكر فتياتنا، بل وحتى كهولنا، وما الذي خدَّر أمتنا عن العمل والإنتاج والريادة، وساقها إلى واقعٍ مليئ بالحسرات والضعف والهوان، لو بحثنا عن أجوبة تلك الأسئلة لوجدنا الجواب متمثلا وشاخصا في أقبح صوره في الملايين من الأفلام والمسرحيات والمسلسلات والأغاني التي استحوذت على عقول كثير من الناس اليوم.
أليس لهذه الشاشات الدور الأكبر في طغيان هذا السلطان، وهو طغيان يتضاعف مع الأيام نتيجة سيطرة النظرة المادية للكون كله، حيث تقرر المفاهيم الغربية السائدة اليوم، أن العالم مادة استعمالية للشهوة واللذة، فينبغي استيفاء أكبر قدر من اللذة قبل الموت، ولن يكون ذلك إلا بتفجير طاقات العالم لابتكار الفجور في أبشع وأشنع صوره التي عرفها التاريخ.
هل يريد المتابع لهذه الفئة من الناس أن يساهم في المسخ لكرامة الإنسان، فضلا عن قيمه ودينه ومبادئه.
أليس لنا – ونحن المسلمون الموحدون لله عز وجل - من الطموح والأماني ما يشغل علينا أوقاتنا وجهودنا وأفكارنا عن متابعة أمثال هؤلاء؟!
ألم يفتح الله لنا أبواب الحلال الكثيرة التي تبهج أنفسنا، وتسعدنا وأهلينا السعادة الحقيقية البعيدة عن غضب الله وسخطه؟!
أين هي الغيرة على محارم الله أن تنتهك؟! وأين هي الحمية للفضيلة التي أصبح كثير منا مشاركا في حربها تحت أعذار التسلية وقطع الأوقات؟!!
من يصدق زعم من يزعم من المتابعين أنه لا يحب هؤلاء الممثلين ولا يتشبه بهم، أو لا يتأثر بهم، وإنما يبحث عن التسلية فقط!!
إن كان المتابع شابا فأين سيذهب ببصره عن الصور شبه العارية، وإن كانت المتابعة فتاة فأين ستذهب بنظرها، وقلبها عن صور الرجال الفاتنة ومناظر العلاقات المحرَّمة؟!
يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ. لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ. وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الحشر/١٨-٢١.
ألا نعلم جميعا أننا محاسبون على أعمارنا، مسؤولون أمام الله عن أوقاتنا وسني شبابنا، فكيف سيجيبه من قضى الساعات الطوال منها في متابعة الساقطين من البشر، وكيف سيكون موقف المسلم بين يدي الله تعالى حين يسأله عن قلبه كيف امتلأ بحب أصحاب المعاصي، وخلا من حب الله عز وجل.
هل يبحث هؤلاء الذين يلهثون وراء أخبار الممثلين والممثلات عن السعادة في جنبات كلامهم وعاداتهم، فإن كان كذلك فليشفق على نفسه، وليوقن أنه لن يرجع إلا بالضيق والهم والنكد، كحال هؤلاء الممثلين الذين نسمع عن انتحار بعضهم، وغرق آخرين في المخدرات، وتفكك أسرهم وأمراض آخرين منهم أمراضا نفسية، وهم يتسترون بالابتسامات العريضة أمام شاشات التلفاز.
ولسنا نقول هذا من عند أنفسنا، بل هي الحقائق تتحدث، والقرآن يقرر ذلك في قوله سبحانه وتعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) طه/١٢٤.
إن المحسنين والمصلحين والمخلصين ينتظرون اليوم الذي تقبل فيه الأمة بأغلبيتها على البناء والعمل، وتنتشر بينهم الديانة والفضيلة، وتستتر فيه المعصية أو تنعدم، فلنكن جميعا عونا على قرب ذلك اليوم، ولا نسخر أنفسنا في نصرة الشيطان وجنوده.
وننقل هنا بيانا كتبته اللجنة الدائمة للفتوى (١٧/١١٧) في شأن خطر المجلات الخليعة، رأيناه مناسبا ومنطبقا تماما على شأن متابعة أخبار الممثلين، ننقله هنا، ونرجو أن يستفيد القارئ منه:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
فقد أصيب المسلمون في هذا العصر بمحن عظيمة، وأحاطت بهم الفتن من كل جانب، ووقع كثير من المسلمين فيها، وظهرت المنكرات، واستعلن الناس بالمعاصي بلا خوف ولا حياء، وسبب ذلك كله: التهاون بدين الله، وعدم تعظيم حدوده وشريعته، وغفلة كثير من المصلحين عن القيام بشرع الله، والأمر المعروف والنهي عن المنكر، وإنه لا خلاص للمسلمين، ولا نجاة لهم من هذه المصائب والفتن إلا بالتوبة الصادقة إلى الله تعالى، وتعظيم أوامره ونواهيه، والأخذ على أيدي السفهاء، وأطرهم على الحق أطرا.
وإن من أعظم الفتن التي ظهرت في عصرنا هذا ما يقوم به تجار الفساد، وسماسرة الرذيلة، ومحبو إشاعة الفاحشة في المؤمنين: من إصدار مجلات خبيثة تحاد الله ورسوله في أمره ونهيه، فتحمل بين صفحاتها أنواعا من الصور العارية، والوجوه الفاتنة المثيرة للشهوات، الجالبة للفساد، وقد ثبت بالاستقراء: أن هذه المجلات مشتملة على أساليب عديدة في الدعاية إلى الفسوق والفجور، وإثارة الشهوات، وتفريغها فيما حرمه الله ورسوله، ومن ذلك أن فيها:
١- الصور الفاتنة على أغلفة تلك المجلات وفي باطنها.
٢- النساء في كامل زينتهن يحملن الفتنة ويغرين بها.
٣- الأقوال الساقطة الماجنة، والكلمات المنظومة والمنثورة، البعيدة عن الحياء والفضيلة الهادمة للأخلاق المفسدة للأمة.
٤- القصص الغرامية المخزية، وأخبار الممثلين والممثلات، والراقصين والراقصات، من الفاسقين والفاسقات.
٥- في هذه المجلات الدعوة الصريحة إلى التبرج والسفور، واختلاط الجنسين، وتمزيق الحجاب.
٦- عرض الألبسة الفاتنة الكاسية العارية على نساء المؤمنين؛ لإغرائهن بالعري والخلاعة، والتشبه بالبغايا والفاجرات.
٧- في هذه المجلات العناق والضم والقبلات بين الرجال والنساء.
٨- في هذه المجلات المقالات الملتهبة، التي تثير موات الغريزة الجنسية قي نفوس الشباب والشابات، فتدفعهم بقوة ليسلكوا طريق الغواية والانحراف، والوقوع في الفواحش والآثام
والعشق والغرام.
فكم شغف بهذه المجلات السامة من شباب وشابات، فهلكوا بسببها، وخرجوا عن حدود الفطرة والدين.
ولقد غيرت هذه المجلات في أذهان كثير من الناس كثيرا من أحكام الشريعة، ومبادئ الفطرة السليمة بسبب ما تبثه من مقالات ومطارحات، فاستمرأ كثير من الناس المعاصي والفواحش، وتعدى حدود الله بسبب الركون إلى هذه المجلات، واستيلائها على عقولهم وأفكارهم. والحاصل: أن هذه المجلات قوامها التجارة بجسد المرأة، التي أسعفها الشيطان بجميع أسباب الإغراء ووسائل الفتنة؛ للوصول إلى نشر الإباحية، وهتك الحرمات، وإفساد نساء المؤمنين، وتحويل المجتمعات الإسلامية إلى قطعان بهيمية، لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا، ولا تقيم لشرع الله المطهر وزنا، ولا ترفع به رأسا، كما هو الحال في كثير من المجتمعات، بل وصل الأمر ببعضها إلى التمتع بالجنسين عن طريق العري الكامل فيما يسمونه: (مدن العراة) عياذا بالله من انتكاس الفطرة، والوقوع فيما حرمه الله ورسوله.
هذا وإنه بناء على ما تقدم ذكره من واقع هذه المجلات، ومعرفة آثارها وأهدافها السيئة، وكثرة ما يرد إلى اللجنة من تذمر الغيورين من العلماء وطلبة العلم، وعامة المسلمين من انتشار عرض هذه المجلات في المكتبات والبقالات والأسواق التجارية - فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ترى ما يلي:
أولا: يحرم إصدار مثل هذه المجلات الهابطة، سواء كانت مجلات عامة، أو خاصة بالأزياء النسائية، ومن فعل ذلك، فله نصيب من قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) .
ثانيا: يحرم العمل في هذه المجلات على أي وجه كان، سواء كان العمل في إدارتها، أو تحريرها، أو طباعتها، أو توزيعها؛ لأن ذلك من الإعانة على الإثم والباطل والفساد، والله -جل وعلا- يقول: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) .
ثالثا: تحرم الدعاية لهذه المجلات وترويجها بأية وسيلة؛ لأن ذلك من الدلالة على الشر والدعوة إليه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا) أخرجه مسلم في صحيحه. رابعا: يحرم بيع هذه المجلات، والكسب الحاصل من ورائها كسب حرام، ومن وقع في شيء من ذلك وجب عليه التوبة إلى الله تعالى، والتخلص من هذا الكسب الخبيث.
خامسا: يحرم على المسلم شراء هذه المجلات واقتناؤها؛ لما فيها من الفتنة والمنكرات، كما أن في شرائها تقوية لنفوذ أصحاب هذه المجلات، ورفعا لرصيدهم المالي، وتشجيعا لهم على الإنتاج والترويج، وعلى المسلم أيضا أن يحذر من تمين أهل بيته - ذكورا وإناثا - من هذه المجلات؛ حفظا لهم من الفتنة والافتتان بها، وليعلم المسلم أنه راع ومسئول عن رعيته يوم القيامة.
سادسا: على المسلم أن يغض بصره عن النظر في تلك المجلات الفاسدة؛ طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وبعدا عن الفتنة ومواقعها، وعلى الإنسان ألا يدعي العصمة لنفسه، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: كم نظرة ألقت في قلب صاحبها البلاء، فمن تعلق بما في تلك المجلات من صور وغيرها أفسدت عليه قلبه وحياته، وصرفته إلى ما لا ينفعه في دنياه وآخرته؛ لأن صلاح القلب وحياته إنما هو في التعلق بالله جل جلاله، وعبادته وحلاوة مناجاته، والإخلاص له، وامتلاؤه بحبه سبحانه.
سابعا: يجب على من ولاه الله على أي من بلاد الإسلام أن ينصح للمسلمين، وأن يجنبهم الفساد وأهله، ويباعدهم عن كل ما يضرهم في دينهم ودنياهم، ومن ذلك منع هذه المجلات المفسدة من النشر والتوزيع، وكف شرها عنهم، وهذا من نصر الله ودينه، ومن أسباب الفلاح والنجاح والتمكين في الأرض، كما قال الله سبحانه: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) .
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب