تعلق طالبة جامعية بأستاذ لا يدرِّسها!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة جامعية، الحمد لله أصلي وأخاف الله، ولكن حصل معي في نهاية السنة الماضية أني أعجبت بشخص، مشرف مختبرات، مثل ما يقولون " من بعيد لبعيد "، ومع أني لا أحادثه، إلا أني أصبحت متعلقةً به كثيراً، عندما أراه أفرح، وعندما لا أراه أحزن، أخاف أن يأتي يوم ولا أراه فيه، لدرجة أني أصبحت أكره تخرجي من الجامعة لكي لا يأتي يوم ولا أراه!! بالنسبة لمشاعره هو تجاهي لست متأكدة لأني طبعاً لا أتحدث معه!! لا أعرف ماذا أفعل، لا أحب سيرة الخطَّاب، وأخاف أن يأتي الخطَّاب إلى بيتنا لكي لا أتزوج إلا هو، أنا أدعو الله كثيراً أن يجمعني به، هل عندما يظل الإنسان يدعو ممكن أن يجعل الله هذا الشخص من نصيبه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليست المشكلة – أختي السائلة – في أن دعاء الله تعالى يمكن أن ييسر أمر الزواج من شخص معين أم لا، فالدعاء بابه مفتوح، وخزائن الله ملأى، وكرم الله سبحانه وتعالى واسع، ورحمته وسعت كل شيء، وهو يجيب من دعا ويعطي من سأل، ولا حرج على المسلم أن يسأل الله تعالى ما يشاء وما يرغب، صغيراً كان أو كبيراً، وقد وعدنا الله تعالى بالإجابة فقال سبحانه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر/٦٠.
وانظري في موقعنا جوابي السؤالين: (٦٥٨٥) و (١٤٥٤٩) .
ولكن الأمر الأهم هو في سبب هذا التعلق المتسرع بذلك الشخص، حيث بدا من سؤالك أنك لم تختلطي به أبداً، ولم تعرفيه عن قرب، ولم تعرفي خُلُقَه أو تدينه، ومع ذلك أقمت في نفسك كل هذه المحبة والمودة، ولم يكن شيء منها على أساس معقول.
أختنا الكريمة:
لا ينبغي للمسلم العاقل أن يسير وراء الأوهام التي تصوِّرُها له نفسه وهواه، فالنفس لا تزال تتمنى وتشتهي، ولا تفتأ تخوض في عالم الأحلام والآمال، ثم تبني قصوراً من الأفراح على أساس تلك الأحلام، ثم لا يلبث كل شيء أن ينهدم لأنه لم يكن مبنيّاً حقيقة، وحينئذ تقع الكارثة النفسية.
قد يُعذر الشاب أو الفتاة في وقوع الإعجاب بينهما في نفوسهما، ثم التفكير الجاد للارتباط الشرعي بعد ذلك، إلا أن ما لا يعذر فيه هو أن يُحَوِّلَ ذلك الإعجابَ إلى هاجس يلاحقه ويلازم تفكيره، ويغذيه بالتخيلات والأحلام، والأدهى من ذلك حين يتخذ مواقف عمليةً ينطلق فيها من تلك الأحلام!!
وذلك ما وقعتِ فيه يا أختنا:
كيف تسمحين لنفسك أن ترفضي فكرة الزواج من أي شاب صالح آخر لتنتظري حلما متوهما قد لا يتحقق؟! .
وأنت بذلك تخالفين أمر النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول: (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ) رواه الترمذي (١٠٨٥) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وهذا الحديث وإن كان خطاباً للأولياء: فهو بالضرورة يكون لصاحب العلاقة أصالة، وهو المرأة.
أتظنين أن الله تعالى حبس الخُلُقَ الكريم وصفاتَ الصلاحِ التي تتمناها كل فتاة في زوجها في ذلك الأستاذ الذي تعلقتِ به؟! .
أو تظنين أن أحداً لا يمكن أن يحقق لك السعادة والطمأنينة إلا ذلك الأستاذ؟! .
إن كنت تعتقدين ذلك: فأنت واهمة، فالصالحون والأخيار كثيرون والحمد لله، والله سبحانه لا يقصر سعادة إنسان على آخر، وليس ثمة بشر لا يمكن أن يستغني عن بشر، بل كلٌّ منا يمكنه أن يعيش سعيداً مع غير من كان يحبهم ويبادلهم المودة؛ لأن الله تعالى خلق النفس البشرية بهذا التكوين والشعور، خلقها تُقبل على السعادة أينما وجدت، وتحاول نسيان الآلام مهما كبرت.
ثم كيف تحكمين على نفسك بالبقاء على العزوبة في انتظار شاب لا تدرين هل هو يلتفت إليك أصلا أو لا يشعر بك؟! .
كيف تَقبلين أن تحبي من لا يبادلك الشعورَ نفسه، وقد يكون مرتبطا بغيرك من الفتيات؟!
والمسلمُ لا يرضى أن يحب أحداً إلى ذلك الحد الذي تشعرين به، كي لا تَذِلَّ نفسه ولا يهين كرامته حين يعتقد الخلاص في شخص معين، والله سبحانه وتعالى يأمره أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواه، وقديما قالوا: " لا يكن حبك كلفا، ولا بغضك تلفا ".
أختنا:
أرجو أن يكون عقلك هو الحكم على جميع تصرفاتك ومواقفك، ولا تسمحي للعاطفة أن تحدد مصير حياتك، فإن العاطفة ربما قادت صاحبها إلى الهلاك والتلف، كما قال تعالى: (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) ص/٢٦.
وأنت لم تطَّلعي الغيب، ولم تُكشف لك الأمور، فما أدراك؟ لعل الله سبحانه وتعالى كتب لك زوجا صالحا طيبا يفوق ما تتوهمينه في ذلك الأستاذ مرات ومرات.
بل لعل شقاءك وتعاستك ستكون مع ذلك الأستاذ الذي تعلقت به من غير سبب، والله سبحانه وتعالى يريد أن يصرف عنك ذلك السوء.
والتسليم بذلك هو من فوائد الإيمان بالقدر وبالحكمة التي يريدها الله من خلقه وأمره، فلنسلم الأمر لله تعالى، ولندَعهُ سبحانه يحكم فينا بحكمته وكرمه وجوده وإحسانه، فهو ربنا، ونحن عبيده.
فالواجب عليك – أختي السائلة – أن تصرفي الخاطر عن الاشتغال بذلك الشاب، فلا تسمحي لنفسك بالخوض والتفكير فيه، واقطعي كل ما يمكن أن يذكرك به، وابتعدي عن كل مكان يمكن أن يوجد فيه، وتحملي ذلك لبعض الأيام والشهور، بعدها ستجدين أن قلبك قد تحرر من تلك الوساوس، وأن الله قد خلصه من أوهامٍ كادت تتحكم في مصيره، ونوصيك بالاشتغال بالطاعة والعبادة والصحبة الصالحة، واسألي الله تعالى دوما أن ييسر لك الزوج الصالح الذي يسعدك ويتقي الله فيك، واستعيذي بالله من وساوس الشيطان وهوى النفس، والله سبحانه وتعالى خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
ويمكنكِ الاستفادة لهذا الأمر من جواب السؤال رقم (١٠٢٥٤) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب