للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

هل يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن؟

[السُّؤَالُ]

ـ[رهن شخصٌ عندي قطعةً من الأرض لمدة ثلاث سنوات، وخلال هذه السنوات قمت بحرثها وزراعتها فهل الارباح الناتجة عن ذلك تُعد رباً؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

انتفاع المرتهن بالرهن: إذا كان بغير إذن الراهن فلا يجوز بحال؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) رواه أحمد (٢٠١٧٢) وصححه الألباني في "الإرواء" (٥/٢٧٩) .

ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) .

رواه مسلم (٢٥٦٤) .

ثانيا:

فإذا أذن الراهن للمرتهن بالانتفاع: فإن كان الدين دين قرض لم يجز للمرتهن الانتفاع بالرهن، وإن أذن الراهن؛ لأنه قرض جر نفعا فهو ربا.

قال البيهقي رحمه الله في "السنن الصغرى" (٤ / ٣٥٣) :

" روينا عن فضالة بن عبيد، أنه قال: كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا. وروينا عن ابن مسعود، وابن عباس، وعبد الله بن سلام، وغيرهم في معناه، وروي عن عمر، وأبي بن كعب، رضي الله عنهما " انتهى.

ثالثا:

إذا لم يكن الدين الذي رهنت فيه الأرض قرضا، كأن يكون ثمن مبيع أو أجرة دار ونحو ذلك، وأذن مالك الرهن (المدين) للمرتهن (الدائن) في الانتفاع به: فلا حرج عليه في ذلك.

جاء في "المدونة" (٤/١٤٩) :

" قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمُرْتَهِنَ , هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ شَيْئًا مِنْ مَنْفَعَةِ الرَّهْنِ؟ قَالَ: إنْ كَانَ مِنْ بَيْعٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ , وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ قَرْضٍ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ يَصِيرُ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً. قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ ... " انتهى.

وقال ابن قدامة رحمه الله:

" ما لَا يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ , كَالدَّارِ وَالْمَتَاعِ وَنَحْوِهِ , فَلَا يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ بِحَالٍ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا ; لِأَنَّ الرَّهْنَ مِلْكُ الرَّاهِنِ , فَكَذَلِكَ نَمَاؤُهُ وَمَنَافِعُهُ , فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَخْذُهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ , فَإِنْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الِانْتِفَاعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ , وَكَانَ دَيْنُ الرَّهْنِ مِنْ قَرْضٍ , لَمْ يَجُزْ ; لِأَنَّهُ يُحَصِّلُ قَرْضًا يَجُرُّ مَنْفَعَةً , وَذَلِكَ حَرَامٌ. قَالَ أَحْمَدُ: أَكْرَهُ قَرْضَ , الدُّورِ , وَهُوَ الرِّبَا الْمَحْضُ. يَعْنِي: إذَا كَانَتْ الدَّارُ رَهْنًا فِي قَرْضٍ يَنْتَفِعُ بِهَا الْمُرْتَهِنُ.

وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ بِثَمَنِ مَبِيعٍ , أَوْ أَجْرِ دَارٍ , أَوْ دَيْنٍ غَيْرِ الْقَرْضِ , فَأَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ فِي الِانْتِفَاعِ , جَازَ ذَلِكَ " انتهى.

"المغني" (٤/٢٥٠) .

رابعا:

يشترط في الانتفاع بالرهن، على الوجه السابق، ألا يكون هذا الانتفاع في مقابل تأخير مدة سداد الدين، فإن كان انتفاعه بالرهن في مقابل ذلك لم يجز للمرتهن الانتفاع بالرهن، لأنه يكون ـ حينئذ ـ من باب: قرض جر نفعا.

سئلت اللجنة الدائمة:

رجل عليه دين لرجل آخر، رهن المدين به قطعة أرض فهل لرب الدين أن ينتفع بتلك الأرض المرهونة بالزراعة أو الإيجار أو نحوها؟

فأجابت اللجنة:

" إذا كان المرهون مما لا يحتاج إلى مؤونة وعناية، كالمتاع والعقارات من الأراضي والدور، وكانت مرهونة في دين غير دين قرض، فإنه لا يجوز للمرتهن أن ينتفع بها بالزراعة أو الإيجار، إلا بإذن الراهن؛ لأنه ملكه فكذلك نماؤه من حق الراهن، فإن أذن الراهن للمرتهن بالانتفاع بهذه الأرض ولم يكن الدين دين قرض، جاز انتفاع المرتهن بها ولو بغير عوض، ما لم يكن ذلك في مقابل تأخير مدة وفائه، فإن كان انتفاعه بالرهن في مقابل ذلك لم يجز للمرتهن الانتفاع به.

أما إن كانت هذه الأرض المرهونة رهنت في دين قرض، فإنه لا يجوز للمرتهن الانتفاع بها مطلقا؛ لكونه قرضا جر نفعا، وكل قرض جر نفعا فهو ربا بإجماع أهل العلم " انتهى.

"فتاوى اللجنة الدائمة" (١٤ / ١٧٦-١٧٧)

خامسا:

إن كان الانتفاع بالرهن بغير إذن مالكه، أو كان بإذنه لكن الدين الذي بينهما عبارة عن قرض، على ما سبق، أو كانت مقابل تأخير مدة الوفاء بالدين: لم يجز أخذ شيء من غلة هذه الأرض، أو الانتفاع بشيء من ربحها.

فإن كان المرتهن ـ الذي في يده الرهن ـ قد قام بحرثها وزراعتها: فإنه يحسب من غلتها وثمرتها: أجرة المثل، على حرثه وزرعه، وما بقي من ذلك يرده على مالك الأرض، أو يخصم من دينه.

وينظر: جواب السؤال: (١٠٥٤٥٧) .

والله تعالى أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>