للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يريد أن يسأل الله قصرا في الدنيا والآخرة

[السُّؤَالُ]

ـ[هل يجوز الدعاء بـ: (اللهم ابن لي عندك قصرا في الجنة، وقصرا في هذه الحياه بالقريب العاجل، إنك أنت الرزاق) وجزاكم الله خيرا.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد للَّه

أمر الله سبحانه وتعالى بدعائه في أكثر من موضع في كتابه الكريم:

(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر/٦٠

وهو أمر مطلق، يشمل دعاءه سبحانه لسؤال حاجات الدنيا وحاجات الآخرة، كما أنه إطلاق يناسب سَعَةَ فضل الله سبحانه وتعالى وكرمه، وأنه لا يتعاظمه شيء يعطيه، ولو أعطى كل واحد مسألته ما نقص من ملكه شيء.

يقول عز وجل: (وَاسْأَلُواْ اللهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) النساء/٣٢

وقد جاء في حديث أبي ذر القدسي الطويل من قول الله تبارك وتعالى:

(يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ... يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ)

رواه مسلم (٢٥٧٧)

يقول ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (١/٢٢٥) :

" وفي الحديث دليل على أن الله يحب أن يسأله العباد جميع مصالح دينهم ودنياهم من الطعام والشراب والكسوة وغير ذلك، كما يسألونه الهداية والمغفرة، وفي الحديث: (ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع) ، وكان بعض السلف يسأل الله في صلاته كل حوائجه حتى ملح عجينه وعلف شاته، وفي الإسرائيليات: أن موسى عليه الصلاة والسلام قال: يا رب! إنه ليعرض لي الحاجة من الدنيا فأستحي أن أسألك. قال: سلني حتى ملح عجينك وعلف حمارك.

فإنَّ كلَّ ما يحتاج العبد إليه إذا سأله من الله فقد أظهر حاجته فيه وافتقاره إلى الله، وذاك يحبه الله، وكان بعض السلف يستحي من الله أن يسأله شيئا من مصالح الدنيا، والاقتداءُ بالسنة أَولَى " انتهى.

وعن عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا تَمَنَّى أَحَدُكُم فَلْيُكثِر، فَإِنَّمَا يَسأَلُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ) رواه ابن حبان (٢٤٠٣) والطبراني في "الأوسط" (٢/٣٠١) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (١٠/١٥٠) : رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (١٣٢٥)

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (سَلُوا اللَّهَ كُلَّ شَيءٍ حَتَّى الشِّسعَ، فَإِنَّ اللَّهَ إِن لَمْ يُيَسِّرهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ) أخرجه أبو يعلى (٨/٤٤) وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (٣٤٩) ، ورواه البيهقي في "شعب الإيمان" (٢/٤٢) من طريق آخر.

قال في "مجمع الزوائد" (١٠/١٥٠) : رجاله رجال الصحيح.

قال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (١٣٦٣) :

" وهذا سند موقوف جيد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم " انتهى.

والشِّسْعُ: سَورُ النعل الذي تدخل بين الأصبعين، ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام.

يقول المناوي في "فيض القدير" (٤/١١٠) :

" لا طريق إلى حصول أي مطلوب من جلائل النعم ودقائقها إلا بالتطفل على موائد كَرَمِ مَن له الأمر، وفي الإنجيل: سلوا تعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يفتح لكم، كل من سأل أعطي، ومن طلب وجد، ومن يقرع يفتح له. أوحى الله إلى موسى: قل للمؤمنين لا يستعجلوني إذا دعوني، ولا يبخلوني، أليس يعلمون أني أبغض البخيل، كيف أكون بخيلا، يا موسى! لا تخف مني بخلا أن تسألني عظيما، ولا تستحي أن تسألني صغيرا، اطلب إلي الدقة والعلف لشاتك، يا موسى! أما علمت أني خلقت الخردلة فما فوقها، وأني لم أخلق شيئا إلا وقد علمت أن الخلق يحتاجون إليه، فمن سألني مسألة وهو يعلم أني قادر أعطي وأمنع أعطيته مسألته بالمغفرة.

قال عروة بن الزبير: إني أسأل الله في صلاتي، حتى أسأله الملح إلى أهلي " انتهى.

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (٣/٢٨٤) :

" لا بأس أن يدعو بشيء يتعلَّق بأمور الدُّنيا؛ مثل أن يقول: اللَّهُمَّ اُرزقني بيتاً واسعاً، أو: اللَّهُمَّ اُرزقني زوجة جميلة، أو: اللَّهُمَّ اُرزقني مالاً كثيراً، أو: اللَّهُمَّ اُرزقني سيارة مريحة؛ وذلك لأن الدُّعاء نفسه عبادة ولو كان بأمور الدنيا، وليس للإنسان ملجأ إلا الله " انتهى بتصرف.

وانظر جواب السؤال رقم (٢٢٤٩٨)

فلا حرج عليك أخي السائل من دعاء الله بأن يرزقك قصرا في الدنيا والآخرة، وإن كان الأولى بالمؤمن ألا يحرص على متاع الدنيا الزائل، وأن يكون همه ما عند الله من نعيم الجنة، وإن سأل شيئا من غنى الدنيا ونعيمها فيجب أن يقيده بالنعيم الناع الذي لا يُطغي ولا يُنسي حقوق الآخرة، وانظر أخي الكريم حال من قص الله علينا شأنه في القرآن الكريم:

يقول تعالى:

(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) التحريم/١١

ومن المكروه أيضا الاعتداء في الدعاء بذكر بعض التفاصيل التي ليست في محلها، كأن تسأل قصرا عدد طوابقه كذا، وعدد غرفه كذا، ونحو ذلك من التنطع المكروه، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (٤١٠١٧)

ولتعلم ـ يا عبد الله ـ أن الله تعالى لا يختار لعبده المؤمن إلا الخير؛ وهكذا ينبغي أن يكون مرادك من الدعاء بشيء من الدنيا: أن يقدر الله تعالى لك الخير حيث كان، وأن يرزقك الرضا بما قضى لك وقدر؛ سواء أكان الخير في قضاء حاجتك وتعجيلها، أو في حبسها عنك، وادخارها لك عنده سبحانه.

وانظر: جواب سؤال رقم (٣٦٩٩)

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>