للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ما معنى في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة؟

[السُّؤَالُ]

ـ[اللهم متعنا بالنظر لوجهك الكريم، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة. ما معنى هذا الدعاء؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

هذا الدعاء يرويه الصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنه، فيقول:

(أَمَا إِنِّي قَدْ دَعَوْتُ فِيهِمَا – يعني في الركعتين - بِدُعَاءٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ: اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي، أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَمِنْ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ)

رواه أحمد في " المسند " (٣٠/٢٦٥) وصححه محققو طبعة مؤسسة الرسالة، ورواه النسائي في " السنن " (رقم/١٣٠٥) : وفي لفظه بعض الزيادة:

(أَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح النسائي " وكتب أخرى.

وقوله صلى الله عليه وسلم (في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة) احتراز عن أن يكون الشوق إلى لقاء الله سببه ضرر أو فتنة لحقت بالعبد، بل يسأل الله شوقا إليه، سبَبُهُ حبه سبحانه وتعالى، ورجاءُ ما عنده من الفضل.

وقد شرح الحافظ ابن رجب جملا من هذا الدعاء في رسالة بعنوان: " شرح حديث لبيك الله لبيك " (ص/٩٥) ، فكان مما قاله:

" وإنما قال: (من غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة) لأن الشوق إلى لقاء الله يستلزم محبة الموت، والموت يقع تمنيه كثيرا من أهل الدنيا بوقوع الضراء المضرة في الدنيا، وإن كان منهيا عنه في الشرع، ويقع من أهل الدين تمنيه لخشية الوقوع في الفتن المضلة، فسأل تمني الموت خاليا من هذين الحالين، وأن يكون ناشئا عن محض محبة الله، والشوق إلى لقائه، وقد حصل هذا المقام لكثير من السلف، قال أبو الدرداء: أحب الموت اشتياقا إلى ربي. وقال أبو عتبة الخولاني: كان إخوانكم للقاء الله أحب إليهم من الشهد. وقالت رابعة: طالت عليَّ الأيام والليالي بالشوق إلى لقاء الله " انتهى.

ويقول الشوكاني رحمه الله في شرح هذا الدعاء:

" قوله: (بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق) فيه دليل على جواز التوسل إليه تعالى بصفات كماله وخصال جلاله.

قوله: (أحييني) إلى قوله: (خيرا لي) هذا ثابت في الصحيحين من حديث أنس بلفظ: (اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي) وهو يدل على جواز الدعاء بهذا، لكن عند نزول الضرر، كما وقع التقييد بذلك في حديث أنس المذكور المتفق عليه، ولفظه: (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيا فليقل: اللهم أحيني) إلى آخره.

قوله: (خشيتك في الغيب والشهادة) أي: في مغيب الناس وحضورهم؛ لأن الخشية بين الناس فقط ليست من الخشية لله، بل من خشية الناس.

قوله: (وكلمة الحق في الغضب والرضا) إنما جمع بين الحالتين؛ لأن الغضب ربما حال بين الإنسان وبين الصدع بالحق، وكذلك الرضا ربما قاد في بعض الحالات إلى المداهنة وكتم كلمة الحق.

قوله: (والقصد في الفقر والغنى) القصد في كتب اللغة بمعنى: استقامة الطريق والاعتدال، وبمعنى ضد الإفراط، وهو المناسب هنا؛ لأن بطر الغنى ربما جر إلى الإفراط.

وعدم الصبر على الفقر ربما أوقع في التفريط، فالقصد فيهما هو اطريقة القويمة.

قوله: (والشوق إلى لقائك) إنما سأله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه من موجبات محبة الله للقاء عبده، لحديث: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه) ومحبة الله تعالى لذلك من أسباب المغفرة.

قوله: (مُضِرَّة) إنما قيد صلى الله عليه وآله وسلم بذلك لأن الضراء ربما كانت نافعة آجلا أو عاجلا، فلا يليق الاستعاذة منها.

قوله: (مُضِلَّة) وصفها صلى الله عليه وآله وسلم بذلك لأن من الفتن ما يكون من أسباب الهداية، وهذا بهذا الاعتبار مما لا يستعاذ منه. قال أهل اللغة: الفتنة الامتحان والاختبار " انتهى.

" نيل الأوطار " (٢/٣٣٣)

وينظر: " فيض القدير " للمناوي (٢/١٨٤-١٨٥) ، " فقه الأدعية والأذكار" (٣/١٦٠-١٦٥) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>