تعلق قلبه بفتاة ويريد الزواج منها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أصلي وأحفظ القرآن ولله الحمد، لكن تعرفت على فتاة عن طريق الهاتف، وبدأت علاقتنا بالهاتف، ثم تقابلنا ولم يحصل بيننا أي منكر ولله الحمد، ثم نصحتها بالمحافظة على الصلاة وحفظ القران وترك الأغاني، وأن تكون علاقتنا مبدؤها حب الله عز وجل أولا ثم رسوله محمد عليه السلام ثم المحبة بيننا، وجدت منها استجابة، وواظبت على الصلوات، وقراءة القرآن، وترك الأغاني، ثم قطعنا علاقتنا بالهاتف، وقالت: هي تنتظرني إن شاء الله، وأنا الآن متردد: هل أُقدِم على الزواج منها، رغم ما نسمع عن الأثر السيء لمثل هذه العلاقات، على استقرار الحياة الزوجية فيما بعد؟ ، أو أقطع علاقتي بها تماماً، مع تعلق قلبي بها، ومع أننا اتفقنا على أن نسير في حياتنا على ما يرضي الله تعالى، وقد عزمنا على أن نبدأها بزيارة بيت الله الحرام إذا تم زواجنا إن شاء الله؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يزال الناس يُحْدِثون، ويُحْدث لهم الشيطان، ولا يزال الشيطان يزين للناس أعمالهم، ويأتي كل واحد من مداخله التي يسهل عليه أمرها، فالكسلان يأتيه من باب التفريط، وصاحب الهمة يأتيه من باب التنطع والتشديد، ولا يزال الناس منه في بلية، وتلك سنة الله في خلقه.
وهكذا العلاقات بين الناس، لاسيما ما يكون منها بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه، فإن اللعين يزين لطالب الجمال من أوقعه في حبالها، حتى تكون في عينه أجمل النساء، ولربما كانت من أدناهن حظاً في الجمال، وهكذا المصلي، حافظ القرآن، إن عز على الشيطان أن يوقعه في حبائل النساء بالعلاقات المحرمة، لصيانته لدينه، وأنفته من أن يشابه الفساق، فإنه يأتيه من باب الحب في الله، والعلاقات الإسلامية الأخوية، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وهكذا يكون الشيطان في سعيه:
لكل ساقطةٍ في الحي لاقطةٌ وكل كاسدةٍ يوما لها سوقُ
لسنا ندري أيها الأخ الكريم المصلي، يا صاحب القرآن، هل أنت في حاجة إلى أن نقول لك: إنك قد تركت الأبواب المفتوحة بشرع الله لقضاء حاجاتك، وأتيت البيوت من ظهورها: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا) البقرة/١٨٩؟!
كان ينبغي ألا تحتاج!!
هل أنت في حاجة إلى أن نقول لك: إن مجرد اللقاء بين رجل وامرأة أجنبية منكر لا يرضاه الله ورسوله، لما فيه من الخلوة المحرمة، والدخول على النساء، والنظرة المحرمة , ... ، ولو لم يكن فيه المنكر الشنيع الذي تقصده، فكما أن الأعمال الصالحات درجات في العلو والصعود , فكذلك خطى الشيطان دركات في الدناءة والسفول؟!
كان ينبغي ـ وأنت المصلي، صاحب القرآن ـ ألا تحتاج!!
لو كنت سألتنا قبل أن تقدم على كل تلك الخطى، كما كان الواجب عليك، لقلنا لك: مالك وللشاردة من بنات الناس؟! لا يأوي الضالة إلا ضال!! دعها، وإن لم تطرد عنها الذئاب، فلا تكن أنت ذئبها، حتى يتلقاها ربها ببره، ويمن عليها بتوبته، ويوفق لها من محارمها، أو نسائها من يهديها الطريق!!
أما وقد كان ما كان، فالحمد لله على ستره عليكما، ولطفه بكما؛ فلم يقع بينكما ما يقع عادة في مثل تلك العلاقات، والحمد لله أن وفقكما إلى قطع تلك العلاقة بينكما، لكن أكملا ذلك العمل بالتوبة إلى الله عز وجل عما بدر منكما، وقطع حبائل الشيطان التي نصبها لاصطيادكما، وإشعال جمار الهوى والمعصية في قلوبكما، ونسأل الله أن يمن علينا وعليكما بالقبول.
فإن فعلتما ذلك، وبدأتما في تصحيح ما بدر منكما، وتركتما ما سبق المنكرات، فاستخر الله تعالى في أمر الزواج الذي تريده، ولعل ذلك أن يكون تأكيدا لأخذكما في طريق الفلاح: (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .
على أنك ينبغي عليك، كما ينبغي عليها هي أيضا، أن يتحرى كل واحد منكما معرفة سيرة صاحبه، قبل تلك الزلة، وأن يقف على سيرته، وسيرة أهل بيته، كما يفعل الخُطَّاب عادة، فإن كان ما حدث منها من التعارف واللقاء بينكما بهذه الطريقة المرفوضة شرعا وأدبا، إن كان ذلك زلة وقى الله تزايد شرها، واشتعال شررها، فاسعيا في إتمام أمر زواجكما في أقرب وقت يتيسر لكما ذلك الزواج فيه.
نعم، قد كانت البداية خاطئة، لكن ليس من الحكمة، ولا من الشرع في شيء، أن ندع الغريق ونحن نقدر على أن ننقذه، لأنه هو الذي غرر بنفسه، وركب لجة البحر!!
ومقام التحذير من الشر، ونهي العباد عنه شيء، ومقام علاج من أخطأ وحاد عن الطريق شيء آخر، وأهل السنة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، يعرفون الحق، ويرحمون الخلق.
فالذي نشير عليك به أن تقدم على الزواج بمن تعلقت بها، وتعلقت بك، بعد استخارة الله، كما مر، والاجتهاد في التضرع إليه أن يوفقكما لما يحبه الله ويرضاه، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلَ النِّكَاحِ) [رواه ابن ماجة ١٨٤٧ وقال البوصيري: رجاله ثقات، وإسناده صحيح] .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
، فإن قدر الله بينكما هذا الزواج بعد ذلك، فهو الخير إن شاء الله، وإن لم يقدر ذلك، فهو الخير أيضا إن شاء الله.
وننصح بمراجعة السؤال ٣٦٦١٨
نسأل الله أن ييسر لنا ولكما أمرنا، وأن يجعل عاقبتنا جميعا إلى هدى وفلاح.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب