للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم الهدية قبل قبضها وحوزها، وحكم تصرفات المريض

[السُّؤَالُ]

ـ[أبي كانت له خالة طلقت من زوجها ولم يكن لها أولاد، فكفلها أبي ما يقرب من عشرين عاماً حتى توفيت، وقبل وفاتها بعدة أعوام كتبت لأبي قطعة أرض زراعية كانت تملكها (مساحتها ١٤ قيراط) بعقود بيع وشراء (ولم تأخذ منه ثمنا) ، واعتبرت أن هذه الأرض نظير كفالته لها وتعويضاً له عن نصيبه في ميراث أمه (جدتي) والذي استولت عليه هذه الخالة وأخت لها بطريق التحايل – علماً بأن نصيب أبي في هذا الميراث لا يتجاوز ٢ قيراط – أي: أنه أقل بكثير من الأرض التي كتبتها له، وعندما علم أبي بأمر هذه العقود أخذها ومزقها، فكتبتها خالته مرة ثانية وأخفتها مع أحد الناس، وأوصته أن يعطيها لأبي بعد وفاتها، وبعد عدة سنوات ماتت هذه الخالة ولم يكن لها ورثة إلا ابن عم واحد، وكان يعمل أجيراً في هذه الأرض، وجاء الرجل الذي معه العقود وسلمها لأبي، وفي جلسة عرفية اصطلح أبي مع ابن عم خالته (الوارث الوحيد لها) على أن يبقى الأخير أجيراً في الأرض كما هو على أن يتسلمها أبي بعد وفاته، ثم فوجئ أبي بعد ذلك بهذا الرجل يرفع عليه دعوى قضائية ليتسلم الأرض باعتباره الوارث الوحيد متهماً أبي بتزوير العقود التي معه، فأخذ العند أبي فدخل معه في القضية والتي انتهت بالحكم لصالح أبي بصحة العقود ونفاذ البيع مع استلام الأرض. ولي سؤالان: ١- هل يحل لأبي أن يأخذ هذه الأرض التي كتبت له بعقود بيع صورية مع وجود وريث شرعي؟ . ٢- إذا حدث فعلا وأخذ أبي هذه الأرض فهل يحل لي أن آخذ نصيبي من الميراث من هذه الأرض بعد وفاة أبي؟ . أعتذر عن الإطالة، ولكن كان لا بد من ذكر الملابسات، وجزاكم الله خيراً.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

هذه الخالة كانت تبرعت بهذه الأرض حال حياتها وصحتها ورشدها، وحينئذ، فلهذا التصرف حالان:

الأول: أن يكون غرضها أن التبرع ينفذ أثناء حياتها، ودون توقيف على موتها، وكان والدك قد قبل هذا التبرع، وحاز الأرض حيازة حقيقية؛ فهي هبة صحيحة لا شيء فيها من جهة الشرع؛ لأن الإنسان له حرية التصرف في ماله، ما لم يكن في ذلك إسراف أو تبذير، أو إنفاق في أوجه غير مشروعة، ولا يوجد ـ في هذه الحالة ـ شبهة الإضرار بالورثة؛ لأن المال ينتزع من المنفق في حياته، فما كان من ضرر فإنه سيعود عليه هو قبل غيره.

وفي هذه الحالة لا يجوز للورثة المطالبة بشيء مما تبرعت به المتوفاة؛ لأنه صار ملكاً خاصاً للموهوب لهم.

الثاني: أن يكون هذا التبرع لوالدك موقوفاً على موت الخالة؛ فهذا له حكم الوصية؛ وحينئذ فإن هذه الوصية صحيحة في حق والدك، لأنه ليس وارثا لخالته، وإنما الوارث ابن عمها، لكن لا يجوز أن يأخذ من هذه الوصية أكثر من ثلث التركة؛ فإن كانت قطعة الأرض تعدل ثلث التركة، أو أقل، نفذت الوصية كاملة، وإن كانت أكثر من ثلث التركة، أخذ منها ما يعدل الثلث، ورد الباقي على الوارث.

قال ابن قدامة – رحمه الله -:

والعطايا المعلقة بالموت كقوله " إذا مت فأعطوا فلاناً كذا، أو أعتقوا فلاناً " ونحوه: فوصايا حكمها حكم غيرها من الوصايا.

" المغني " (٦ / ١٥٨) .

ثانياً:

ينبغي التنبه إلى مسألة مهمة، وهي أن في هذه التركة نصيبا لوالدك؛ حيث ذكرتَ أن خالته وأختها قد أخذا من نصيبه في الميراث أرضاً، فله في تركتها (١) قيراط، لأنها شريكة هي وأختها في الغصب.

وعليه: فينبغي لابن عمها ـ إذا قدر أنه أخذ التركة كاملة، ولم يحصل والدك على هذه الأرض التي كتبت له ـ أن يرجع الحق لوالدك، وهو – هنا – ليس فقط الأرض التي انتزعت منه غصباً وسلباً، بل وما نتج منها من مال أو أرض، فتحسبون ما أنتجته الأرض من ثمار بيعت، أو أجرة أخذت، ويدفع ذلك كله لوالدك إما مالاً وإما ما يقابله من العقار من الأرض أو غيرها.

وتجد تفصيل هذا الأمر في جواب السؤال رقم: (١٠٣٢٣) .

ومن الجواب على السؤال الأول، يظهر الجواب عن السؤال الثاني، فيجوز لك أن تأخذ نصيبك من هذه الأرض، بعد وفاة أبيك، إذا كان ما أخذه فعلا هو في حدود حقه الذي أشرنا إليه.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>