قال الخاطب: هل تزوجني ابنتك؟ فقال الأب مازحاً: خذها، فهل تم النكاح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء خاطب إلى أبي ليخطبني وبعد إتمام الاتفاقات والاتفاق على الصداق قال لأبي وفى نيته أن يتزوجني (متزوجني ابنتك الآن وأخدها معايا وأنا مروح؟) ورد عليه أبى مازحاً (خدها مع السلامة) وقد حدث هذا أمام خمس رجال وجمع من النساء وبعد ذلك ادعى أنني زوجته أمام الشرع وأنني لا أستطيع الزواج من غيره حتى يطلقني مستدلاً بحديث (اثنان جدهما جد وهزلهما جد: الزواج والطلاق) فهل هذا صحيح؟ وما مدى صحة هذا الحديث؟ وهل هناك اختلاف في أقوال العلماء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أركان النكاح: حصول الإيجاب والقبول، والإيجاب هو قول الولي: زوجتك ابنتي، والقبول: قول الخاطب: قبلت.
وما ذكرت قد اشتمل على ثلاث مسائل:
الأولى: انعقاد النكاح بغير لفظ: أنكحت وزوجت.
الثانية: تقديم القبول (لفظ الزوج) على الإيجاب من الولي.
الثالثة: كون اللفظ الصادر من الزوج بصيغة السؤال والاستفهام.
أما المسألة الأولى، فقد اختلف فيها الفقهاء، فالحنفية والمالكية على أن النكاح ينعقد بغير لفظي النكاح والتزويج، ولهم في ذلك تفصيل.
والراجح: انعقاد النكاح بكل ما يدل عليه. فقول الولي: "خذها مع السلامة" لفظ يدل على الرضا والقبول. وينظر: "الشرح الممتع" (٢/٣٨) .
وأما المسألة الثانية، وهي تقديم القبول على الإيجاب، فهذا لا يصح به النكاح عند الحنابلة، ويصح عند الجمهور.
وعليه؛ فالصيغة التي تم بها العقد هنا: لا تصح عند الحنابلة، من جهة تقدم القبول على الإيجاب، أي: تقدم لفظ الزوج على لفظ الولي.
قال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله: " إذا تقدم القبول على الإيجاب. لم يصح. رواية واحدة , سواء كان بلفظ الماضي , مثل أن يقول: تزوجت ابنتك. فيقول: زوجتك. أو بلفظ الطلب , كقوله: زوجني ابنتك. فيقول: زوجتكها.
وقال أبو حنيفة , ومالك , والشافعي: يصح فيهما جميعاً ; لأنه قد وجد الإيجاب والقبول , فيصح كما لو تقدم الإيجاب.
ويدل على أنه لا يصح: أن القبول إنما يكون للإيجاب , فمتى وجد قبله لم يكن قبولاً ; لعدم معناه , فلم يصح , كما لو تقدم بلفظ الاستفهام" انتهى من "المغني" (٧/٦١) .
وأما المسألة الثالثة وهي كون اللفظ الصادر من الزوج استفهاماً، فهذا محل خلاف أيضاً:
فالحنابلة على أنه لا يصح.
والشافعية: يشترطون لصحته أن يقول الزوج بعد موافقة الولي: تزوجت.
والحنفية: يرجعون ذلك إلى الحال الذي كانا عليه، فإن كان المجلس للعقد فهو عقد، وإن كان للوعد فهو وعد.
ففي "الموسوعة الفقهية الكويتية" (٤١/٢٣٩) : " وأما صيغة الاستفهام فقال الحنفية: لو صرح بالاستفهام اعتبر فهم الحال، قال في شرح الطحاوي: لو قال: هل أعطيتنيها؟ فقال: أعطيت. إن كان المجلس للوعد فوعد، وإن كان للعقد فنكاح، قال الرحمتي: فعلمنا أن العبرة لما يظهر من كلامهما لا لنيتهما، ألا ترى أنه ينعقد مع الهزل، والهازل لم ينو النكاح.
وقال الشافعية: لو قال الزوج: أتزوجني ابنتك فقال الولي: زوجتك، لم ينعقد، إلا أن يقول الخاطب بعده: تزوجت.
ويرى الحنابلة أنه إذا تقدم الإيجاب بلفظ الاستفهام فإنه لا يصح " انتهى.
وينظر: "حاشية ابن عابدين" (٣/١١) ، "الأم" للشافعي (٥/٢٥) ، "روضة الطالبين" (٧/٣٩) ، "كشاف القناع" (٥/٤٠) .
وحيث إن الخاطب قد تكلم بصيغة السؤال والاستفهام، وقدّم كلامه على كلام الولي، وكان اللفظ الصادر من الولي هو " خذها مع السلامة "، فإن هذا لا يصح نكاحا عند الحنابلة؛ لوجود تقديم القبول، والاستفهام، ولكون الولي تكلم بغير لفظ التزويج والنكاح.
ولا يصح عند الشافعية، لكون الزوج لم يقل بعد موافقة الولي: تزوجت، وأيضا لكون الولي تكلم بغير لفظ التزويج والنكاح.
ولا يصح عند الحنفية، لأن الحال أن هذا مجلس خطبة ومواعدة، لا مجلس عقد.
وعلى هذا؛ فالنكاح لم ينعقد بهذا اللفظ.
وأما الحديث فهو من رواية أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلاقُ، وَالرَّجْعَةُ) رواه أبو داود (٢١٩٤) والترمذي (١١٨٤) وابن ماجه (٢٠٣٩) واختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، وقد حسنه الألباني في "رواء الغليل" (١٨٢٦) .
فلو حصل الإيجاب من الولي، ثم القبول من الزوج، وكان ذلك بصيغة الماضي، وبلفظ النكاح أو التزويج، مع وجود الشاهدين، وكان العاقدان هازلين أو كان أحدهما هازلاً صح النكاح عند جمهور الفقهاء؛ للحديث السابق.
وينظر: "فتح القدير" (٣/١٩٩) ، "المغني" (٧/٦١) ، "كشاف القناع" (٥/٤٠) ، "حاشية الدسوقي" (٢/٢٢١) ، "بلغة السالك" (٢/٣٥٠) ، "نهاية المحتاج" (٦/٢٠٩) ، "روضة الطالبين" (٨/٥٤) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب