أمره والده بطلاق زوجته وهدده بتطليق أمه
[السُّؤَالُ]
ـ[بينه وبين أبيه سوء تفاهم، ويرغم الابن على طلاق زوجته، ويهدد الأب ابنه إن لم يطلق زوجته فسوف يطلق أمه، فقام الابن بإرسال ورقة الطلاق من أمريكا إلى زوجته باليمن، والآن المرأة المطلقة التي هي زوجة الابن يأتيها الخطاب للزواج منها، والابن المطلق يقول أن طلاقه إنما كان لإرضاء والده ولحل مشكلة والدته فقط حتى لا تطلق أمه، فهل هذا التصرف منه صحيح، وهل الطلاق واقع لزوجته أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يلزم الابن طاعة والديه في طلاق امرأته ما لم يوجد سبب يقتضي طلاقها؛ لأن الطاعة إنما تجب في المعروف وفيما لا ضرر منه على الابن، وليس من المعروف تطليق المرأة بلا سبب.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن: رجل متزوج وله أولاد , ووالدته تكره الزوجة وتشير عليه بطلاقها هل يجوز له طلاقها؟
فأجاب:
"لا يحل له أن يطلقها لقول أمه , بل عليه أن يبر أمه، وليس تطليق امرأته من برها. والله أعلم" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (٣/٣٣١) .
وقال في مطالب أولي النهى (٥/٣٢٠) : "ولا تجب على ابن طاعة أبويه ولو كانا عدلين في طلاق زوجته ; لأنه ليس من البر" انتهى.
وسئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله عن حكم طلاق الرجل لزوجته إذا طلب منه أبوه ذلك، فقال:
"إذا طلب الأب من ولده أن يطلق زوجته فلا يخلو من حالين:
الأول: أن يبين الوالد سبباً شرعياً يقتضي طلاقها وفراقها مثل أن يقول: "طلِّق زوجتك"؛ لأنها مريبة في أخلاقها، كأن تغازل الرجال، أو تخرج إلى مجتمعات غير نزيهة، وما أشبه ذلك. ففي هذا الحال يُجيب والده ويطلقها؛ لأنه لم يقل "طلِّقها" لهوى في نفسه، ولكن حماية لفراش ابنه من أن يكون فراشه متدنساً هذا الدنس فيطلقها.
الثانية: أن يقول الوالد للولد "طلِّق زوجتك " لأن الابن يحبها فيغار الأب على محبة ولده لها، والأم أكثر غيرة فكثير من الأمهات إذا رأت الولد يحب زوجته غارت جداً حتى تكون زوجة ابنها ضرة لها، نسأل الله العافية. ففي هذه الحالة لا يلزم الابن أن يطلق زوجته إذا أمره أبوه بطلاقها أو أمه. ولكن يداريهما ويبقي الزوجة ويتألفهما ويقنعهما بالكلام اللين حتى يقتنعا ببقائها عنده ولا سيما إذا كانت الزوجة مستقيمة في دينها وخلقها.
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن هذه المسألة بعينها، فجاءه رجل فقال: إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتي، قال له الإمام أحمد: لا تطلقها، قال: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر ابن عمر أن يطلق زوجته حين أمره عمر بذلك؟ قال: وهل أبوك مثل عمر؟
ولو احتج الأب على ابنه فقال: يا بني إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمر أن يطلق زوجته لما أمره أبوه عمر بطلاقها، فيكون الرد مثل هذا، أي وهل أنت مثل عمر؟ ولكن ينبغي أن يتلطف في القول فيقول: عمر رأى شيئا تقتضي المصلحة أن يأمر ولده بطلاق زوجته من أجله، فهذا هو جواب هذه المسألة التي يقع السؤال عنها كثيرا " انتهى من "الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة" (٢/٦٧١) .
وتهديد الابن بتطليق أمه لا شك في كونه خطأ وظلماً، فإنه لا علاقة للأم بهذا، ولم يوجد منها ما يقتضي طلاقها، ولا يضر الابن هذا التهديد ولا يلزمه الاستجابة له ولو كان أبوه جادا في تهديده؛ لأن الضرر لا يزال بالضرر.
ثانياً:
إذا كان الابن قد تلفظ بالطلاق، وقع طلاقه ولو كان قد فعل ذلك لإرضاء والده، أو بلا نية طلاق؛ لأن الطلاق الصريح لا يشترط له النية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلاقُ، وَالرَّجْعَةُ) رواه أبو داود (٢١٩٤) والترمذي (١١٨٤) وابن ماجه (٢٠٣٩) وحسنه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير ٣/٤٢٤، والألباني في صحيح سنن الترمذي (٩٤٤) .
وإن كان كتبه في ورقة ولم يتلفظ به، فهذا فيه تفصيل:
فإن كان نوى الطلاق، وقع الطلاق، وإن لم ينوه لم يقع؛ لأن الطلاق بالكتابة ليس من الطلاق الصريح، وينظر جواب السؤال رقم (٧٢٢٩١) .
ثالثاً:
إذا حكمنا بوقوع الطلاق، وكانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية، جاز لهذا الابن مراجعة زوجته في العدة، فإن انقضت العدة لم ترجع له إلا بعقد جديد.
وعلى الابن أن يبر أباه، وأن يرضيه بغير تطليق امرأته ما لم يوجد سبب يقتضي طلاقها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب