حكم أخذ الأجرة على تعبير الرؤى والمنامات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أخذ الأجرة على تعبير الرؤى والمنامات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لمن أعطاه الله موهبة تعبير الرؤى والمنامات أخذ الأجرة على هذا العمل، وذلك لأمور:
أولاً:
أن تعبير الرؤى منفعة غير معلومة ولا منضبطة، والأجرة لا تكون إلا في مقابل عمل له منفعة مقصودة معلومة، وهو في ذلك يشبه القضاء.
قال ابن قدامة عن القضاء: "فأما الاستئجار عليه فلا يجوز، قال عمر رضي الله عنه: لا ينبغي لقاضي المسلمين أن يأخذ على القضاء أجرا، وهذا مذهب الشافعي، ولا نعلم فيه خلافا ... ؛ ولأنه عمل غير معلوم" انتهى.
"المغني" (١١/٣٧٧) .
ثانياً:
أقرب ما يقاس عليه تعبير الرؤى هو: الفتوى، وقد ذهب جمهور العلماء إلى منع المفتي من أخذ الأجرة على فتواه سواء كان الإفتاء في حقه فرض عين أو كفاية.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (٣٢ /٤٢) :
"وَأَمَّا الأُْجْرَةُ، فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهَا مِنْ أَعْيَانِ الْمُسْتَفْتِينَ عَلَى الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، قَال الْحَنَابِلَةُ: لأَِنَّ الْفُتْيَا عَمَلٌ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْل الْقُرْبَةِ، وَلأَِنَّهُ مَنْصِبُ تَبْلِيغٍ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَلَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَال لَهُ: لَا أُعَلِّمُكَ الإِْسْلَامَ أَوِ الْوُضُوءَ أَوِ الصَّلَاةَ إِلَاّ بِأُجْرَةٍ، قَالُوا: فَهَذَا حَرَامٌ قَطْعًا، وَعَلَيْهِ رَدُّ الْعِوَضِ، وَلَا يَمْلِكُهُ، قَالُوا: وَيَلْزَمُهُ الإِْجَابَةُ مَجَّانًا لِلَّهِ بِلَفْظِهِ أَوْ خَطِّهِ إِنْ طَلَبَ الْمُسْتَفْتِي الْجَوَابَ كِتَابَةً، لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ الْوَرَقُ وَالْحِبْرُ" انتهى.
وقال ابن القيم:
"أما أخذه الأجرة فلا يجوز له، لأن الفتيا منصب تبليغ عن الله ورسوله، فلا تجوز المعاوضة عليه" انتهى.
"إعلام الموقعين" (٤/٢٣١) .
وتعبير الرؤى نوع من الإفتاء.
قال الشيخ السعدي:
"علم التعبير من العلوم الشرعية، ويثاب الإنسان على تعلمه وتعليمه، وتعبير المرائي داخل في الفتوى، لقوله للفتيين: (قُضِيَ الأمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ) وقال الملك: (أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ) وقال الفتى ليوسف: (أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ ... ) ، فلا يجوز الإقدام على تعبير الرؤيا من غير علم" انتهى.
"تفسير السعدي" (١/٤٠٧) .
ثالثاً:
لا يصح قياس أخذ الأجرة على التعبير بأخذ الأجرة على الرقية؛ لأن الرقية من باب العلاج والمداواة، وهذه يصح الاستئجار عليها بالاتفاق.
رابعاً:
استدلال البعض على الجواز بما جاء في كتاب "مجمع الأنهر" (٣/٥٣٣) في الفقه الحنفي في معرض كلامه عن أخذ الأجرة على الطاعات قال: "بِخِلَافِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ، وَالْفِقْهِ وَتَعْلِيمِ الْكِتَابَةِ، وَالنُّجُومِ [أي علم معرفة دلالات النجوم على الجهات والأوقات] ، وَالطِّبِّ، وَالتَّعْبِيرِ، وَالْعُلُومِ الْأَدَبِيَّةِ، فَإِنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ فِي الْجَمِيعِ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ" انتهى.
فهذا الاستدلال غير دقيق؛ لأن المقصود تعليم "علم التعبير" لا تعبير الرؤى، بدليل قرنه بتعليم الفقه والكتابة والطب والعلوم الأدبية.
ويوضح ذلك ما جاء في "الفتاوى الهندية" (٤/٤٤٨) من كتب الحنفية من قوله: "وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِتَعْلِيمِ وَلَدِهِ الْكِتَابَةَ، أو النُّجُومَ، أو الطِّبَّ، أو التَّعْبِيرَ، جَازَ بِالِاتِّفَاقِ".
والفرق بين تعليم علم التعبير وتعبير الرؤى، كالفرق بين تعليم العلم الشرعي والإفتاء بالحكم الشرعي.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله تعالى: ما حكم أخذ الأجرة لتعبير الرؤى؟
فأجاب:
"نرى أنه لا يجوز، وذلك لأن تعبير الرؤيا يعتمد الظن، ولا يجوز للمُعبِّر الجزم بالتعبي؛ لاحتمال أن يكون لها تعبير آخر غير ما يتبادر إلى ظن المعبر، فلا حاجة إلى أخذ الأجرة على ذلك". انتهى من موقع الشيخ.
http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?parent=٧٨٦&subid=٧١١&view=vmasal
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب