للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والدها يرفض زواجها من هذا الشخص وهي تحبه

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا واقعة في مصيبة، وأرجوا أن تقفوا بجانبي: تقدم لخطبتي شخص ذو خلق ودين، وحالته المادية جيدة، وبصراحة: أنا أحبه!! لكن والدي رافض لأسباب غير مقنعة، يقول إنه لا يحب أهل البلد التي منها هذا الشاب!! وقد استخرت الله تعالى، ولا أعرف ماذا أفعل، أفيدوني أفادكم الله؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

لا بأس عليك أيتها السائلة الكريمة، فكل مصيبة تهون إلا مصيبة الدين؛ فاللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا!!

إن المسلم يعلم أن دار الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وأنه متى تلقى المصائب والمحن بقبول حسن؛ من الصبر الجميل، والرضا بقضاء الله وقدره؛ فإنها تصير في حقه هبات وعطايا من رب العالمين؛ تُرفع بها الدرجات، وتُكَفَّر بها الخطيئات:

روى الإمام أحمد (٢١٨٣٣) وأبو داود (٣٠٩٠) عن أبي خالد السُّلَمي رضي الله عنه أَنَّهُ خَرَجَ زَائِرًا لِرَجُلٍ مِنْ إِخْوَانِهِ، فَبَلَغَهُ شَكَاتُهُ [يعني: بلغه أنه مريض] . قَالَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَتَيْتُكَ زَائِرًا، عَائِدًا وَمُبَشِّرًا!!

قَالَ: كَيْفَ جَمَعْتَ هَذَا كُلَّهُ؟!!

قَالَ: خَرَجْتُ وَأَنَا أُرِيدُ زِيَارَتَكَ، فَبَلَغَتْنِي شَكَاتُكَ، فَكَانَتْ عِيَادَةً، وَأُبَشِّرُكَ بِشَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا سَبَقَتْ لِلْعَبْدِ مِنْ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ، ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْهُ) صححه الألباني بشواهده في الصحيحة (٢٥٩٩) .

واعلمي أيتها الأخت المسلمة أن الله تعالى لما شرع لعباده ألا تزوج المرأة نفسها، واشترط أن يكون وليها هو الذي يتولى تزويجها، إنما شرع ذلك رحمة منه بعباده، وحفاظا على مصالحهم العظيمة التي تضيع هدرا حينما يتهاون الناس في ذلك؛ واسألي عن قصص الزيجات التي بنيت على ذلك، وكيف تحولت عيشتهم إلى هم وندم، هذا إن دامت بينهم عشرة.

على أننا لا نحتاج إلى التجربة لكي نطيع أمر ربنا عز وجل، أو نعرف ما فيه من المنافع والمصالح الدينية والدنيوية لنا، فوظيفة المؤمن أمام أمر الله تعالى أن يقول: سمعنا وأطعنا!!

[يمكن مراجعة السؤال (٢١٢٧) (٣١١١٩) حول اشتراط الولي في النكاح] .

فالذي ننصحك به ـ أختنا الكريمة ـ ألا تستبدي بأمرك، ولا تجعلي العاطفة هي مقياس الحكم على الأمور، ولا تنظري إلى مشكلتك بعين واحدة، بل استعيني بالناصح الأمين من أهلك والأقربين منك، ممن يعرفكم ويعرفه، ومن له ود عند أبيك، وقبول في نفسه، ويثق والدك في رأيه.

ثم استخيري الله عز وجل، واعلمي أنك متى استخرت ربك، وأنت صادقة في اللجوء إليه، والافتقار إلى عونه وتوفيقه، فإن الله تعالى لا يقدر لعبده المؤمن إلا الخير، وسواء كان ما قضاه موافقا لما تحبين وتطلبين أو مخالفا؛ فإن أمر المؤمن كله خير، فارضي حينئذ بما قدره الله، وجعله من نصيبك.

ولك هنا أن تستعيني بمن يمكنه إقناع والدك بأن يزوجك ممن ترغبين، إذا كان الحال على ما ذكرت من الدين والخلق.

ولكي تستفيدي من ذلك، لا بد من ترك الفرصة للوالد في التفكير، ولا تحاولي أن تحسمي الأمر معه مبكرا، بمعنى أنني لا أنصحك بإبداء الإصرار الكبير من البداية على الزواج من هذا المتقدم، ولا تحاولي أن تدخلي في جدال أو مشادة مع الوالد، فيؤدي ذلك إلى تعنته وتشدده، بل حاوريه بالحسنى فقط، واستخدمي ألفاظ التفويض والولاية، كأن تقولي له: أنت والدي وولي أمري وتعرف مصلحتي فأرجو أن تعيد التفكير وتقلبه، ونحو ذلك من الأساليب التي تترك مجالا للحوار، ولا تتعجلي الجواب من الوالد، فكلما طال الأمر والانتظار اقترب الفرج إن شاء الله.

ثم قبل ذلك كله وبعده، أرى أن معك حلا صائبا إن شاء الله، هو بلا شك أنفع من كل ما سبق، ولا أراه يخيب أبدا، وهو الإلحاح على الله في الدعاء، لا أقول الدعاء فقط، بل الإلحاح والتذلل والانطراح على أبواب رحمة الله، وسؤاله الخير والفرج والسعادة، وإذا رأى الله منك صدق الدعاء، أعطاك بإذنه سبحانه ما تحبين، كيف لا وهو الجواد الكريم.

ولا نحب لك - أختنا الكريمة - وأنت في غمرة الشعور باللوم للوالد، والنظر إليه على أنه متعنت في منعك من هذا الزواج، واستعمال ولايته عليك، لا نحب لك أن تنسي أن علاقة بين رجل وامرأة أجنبية عنه، لا بد أنها لم تصل إلى تلك الدرجة من التعلق القلبي بينهما إلا بقدر كبير من التفريط في مراعاة حدود الله، وحفظها وعدم تعديها؛ من كلام، ووعد، ونظر ...

فعليك أختنا بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، وإياك ومصيبة الدين، فتلك هي المصيبة حقا، وأما أن زوجا يذهب أو يجيء، ومال يكتسب أو يضيع ... ، فكل ذلك يهون أمام المصاب في الدين:

من كل شيءٍ إذا ضيعته عوضٌ وليس في الله إن ضيعته عوضُ

فإذا كان قد صدر شيء من ذلك منكما فسارعا إلى التوبة منه، فقد يكون الله تعالى قد أخر عنك قبول والدك حتى يرى صدقكما في الالتزام بأمره سبحانه، ألم يقل الله تعالى في محكم كتابه: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/٢-٣

والله أعلم.

ويمكنك مراجعة بعض النصائح والأحكام المتعلقة بمشكلتك في موقعنا في الإجابات التالية:

(٦٣٩٨) (١٠١٩٦) (٢٣٤٢٠) (٣٦٢٠٩)

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>