ملاكم يسأل عن حكم الملاكمة
[السُّؤَالُ]
ـ[منحني الله نعمة أن أكون ملاكما , وأنا واثق بأني سأصبح بطل العالم في غضون بضع سنوات. لقد أحرزت نجاحا منذ أن بدأت الملاكمة للهواة، وأنا في طريقي للبدء في الاحتراف. وقد بدأت مؤخرا بالاستقامة على الدين، وأسأل هل يجوز لي أن أحترف في الملاكمة أم لا؟ أظن أني أستطيع نفع الإسلام والمسلمين وأنا في مجال الملاكمة , حيث إني سأتحدث عن الإسلام (بغرض حث الشباب خصوصا على الذهاب إلى الطريق الصحيح (الإسلام) والتصدق بالمال ... الخ. وأنوي في آخر الأمر أن أجاهد ببدني يوما ما , وسأستخدم خبرتي المكتسبة خلال سنوات التدريب في الملاكمة أيضا في خدمة وتحقيق هذا الأمر. أرجو أن تقدم لي أدلة تؤيد فتواك.
(ملاحظة: لن أتنافس مع أخواني المسلمين, بل سأنافس غير المسلمين فقط) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد لله على استقامة الأخ السائل، ونسأل الله تعالى له الدوام على هذا، كما نحمده على أنه أعطاك من قوة البدن ما أعطاك وفي هذا خير عظيم لك ونفع للمسلمين إن شاء الله تعالى لأن المسلمين يقوى بعضهم ببعض.
والقوة البدنية نعمة من الله تعالى وفضل منه يؤتيه من يشاء من عباده ويمنعه عمن يشاء.
وقد فضل الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمن القوي على الضعيف، وهو يشمل قوة الجسم والإيمان.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان ".
رواه مسلم (٢٦٦٤) .
وممارسة المؤمن للرياضات المباحة مفيد لكونه يقوي البدن ويحافظ على صحته وسلامته، فيعينه على أداء العبادات والجهاد في سبيل الله.
وقد أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على الصحة بل وقدمها على المال.
عن معاذ بن عبد الله بن خبيب عن أبيه عن عمه قال: " كنا في مجلس فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه أثر ماء فقال له بعضنا: نراك اليوم طيب النفس، فقال: أجل والحمد لله ثم أفاض القوم في ذكر الغنى فقال: لا بأس بالغنى لمن اتقى، والصحة لمن اتقى خير من الغنى وطيب النفس من النعيم ".
رواه ابن ماجه (٢١٤١) وأحمد (٢٢٠٧٦) .
والحديث: صححه الألباني في " صحيح ابن ماجه " برقم (١٧٤١) .
وينبغي أن يكون قصد المسلم من ممارسة الرياضة التقوي على أداء العبادات والنصرة لدين الله والدفاع عن حرماته والذود عن حياض المسلمين.
فإن لم يكن ذلك فأقل القليل أن يكون في ذلك كسب له في الدنيا وحماية له من عدو، أو يستخدم بدنه لجلب الكسب في المعيشة والرزق ويكون سبباً له ليأكل من عمل يده.
عن المقدام رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما أكل أحدٌ طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده ".
رواه البخاري (١٩٦٦) .
عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه ".
رواه البخاري (١٩٦٨) ومسلم (١٠٤٢) .
هذه هي الأوجه المباحة في الرياضة، أما ما نراه اليوم من الرياضات فأكثرها خرج عن حد الإباحة إلى التحريم، لاسيما الملاكمة فهي شر الرياضات؛ وذلك لما يأتي:
١- فيها اعتداء على الوجه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنب الوجه) البخاري (٢٥٦٠) ومسلم (٢٦١٢) ، وهذه اللعبة مبنية على ضرب وجه الخصم بأقصى قوة ممكنة يملكها الملاكم.
٢- أنها مضيِّعة للوقت، والله تعالى امتن على المسلم بنعَم كثيرة وهو سائله عنها يوم القيامة، ويغتر الإنسان بهذه النعم كثيراً فيضيعها ومنها: الصحة والفراغ، ومن الأسئلة التي سيسألها الله للمسلم يوم لقياه: عن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، فماذا هو قائل هذا الذي أبلى شبابه وأفنى عمره في التدرب لقتال الناس ومصارعتهم وملاكمتهم ليحصل على لقب أو يفوز بجائزة؟ .
قال الشيخ ابن عثيمين:
وإذا كان الإنسان العاقل لا يضيع ماله بدون فائدة؛ فإن عدم إضاعة الوقت أولى وأحرى؛ لأن الوقت أثمن من المال؛ ولأن إضاعة الشباب وغير الشباب لأوقاتهم بمثل هذه الألعاب التي لا تفيدهم شيئاً هو من الأمور التي تحزن ويؤسف لها.
" فتاوى إسلامية " (٤ / ٤٣٥) .
٣. هي رياضة مؤذية قد تؤدي إلى الضرر الذي لا يبرأ صاحبه، والله تعالى حرم علينا أن نضر أبداننا وأمرنا بحفظها.
عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن لا ضرر ولا ضرار. رواه ابن ماجه (٢٣٤٠) وأحمد (٢١٧١٤) .
والحديث: صححه الإمام أحمد والحاكم، وحسَّنه ابن الصلاح.
انظر: " خلاصة البدر المنير " لابن الملقن (٢ / ٤٣٨) .
وأنت تعرف بحكم ممارستك لها كم من الملاكمين أصيب بالعاهة الائمة لا سيما ارتجاج المخ والأعضاء.
٣. فيها تضييع للمال وشغل الناس فيما لا يجدي، وحري بهذه الأموال بدلاً من أن تذهب على هذه الملاهي أن تكون في أعمال الخير، فكم من الملايين التي تضيع وما هي لإطعام جائع ولا لبناء مسجد ولا لفتح دار للعلم ولا لغير ذلك من مسالك الخير.
٥. أن هذه الرياضات - والملاكمة منها - أصبحت ملاذاً للدعوة القبلية والعصبية فقد فرقت الرياضة بصورتها الحاضرة القلوب وأصبح الناس يتحابون ويتباغضون بسبب نجاح فريق أو انهزامه.
٦. أن فيها كشف العورات، فإن لم يكن منك فمِن خصمك، وعورة الرجل من السرَة إلى الركبة كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك فيها ظهور العورات من المشاهدين والمشاهدات، وهذا ما لا تستطيع دفعه ولا إنكاره عليهم.
إنك تقول في السؤال: (لن أنافس المسلمين) .
فهل يأذن لك المشرفون على نظام المباراة بهذا؟ ما أظنهم يفعلون وأنت أعلم منا بهذا.
ثانياً:
ثم إن هذه المباريات لم تجعل من أجل الدين ولم تقم على هذا الأساس، فالناس حين يشاهدون المباراة لا ينوون بذلك مشاهدة المنازلة بين الإسلام والكفر.
ثم إنك عند المبارزة ستقاتل باسم الدولة التي تسكنها أو أعطتك قوميتها وجنسيتها ولا يسمح لك بأن تقاتل باسم الإسلام.
ثم إن خصمك ولو كان كافراً فقد يكون من أهل السلم لا من أهل الحرب فبأي حق تمتد يدك للكم رجل مسالم.
فالخلاصة: أن هذه الرياضة هي من الألعاب المحرمة التي ضررها أكثر من خيرها.
ثالثاً:
أما (قولك بأنك تنوي الجهاد في يوم ما) .
هذا كلام رائع وجميل لولا أن الملاكمة حرام، ويمكنك أن تقوي بدنك بممارسة رياضة أخرى لا تكون محرمة.
راجع سؤال رقم (١٠٤٢٧)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب