للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل القراءة واستماع الشروح طريقة صحيحة في طلب العلم؟

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا طريقتي في طلب العلم أقرأ الكتب العلمية في العقيدة وغيرها من الاستماع للشروحات في المسجل، للشيخ العثيمين رحمه الله، فهل تعد هذه الطريقة صحيحة في الطلب؟ وهل أقول أن الشيخ العثيمين أو غيره من المشائخ (شيخي) إذا كنت لم أثن الركب عنده، ولم أحضر مسجده، أي أنني تابعته في الأشرطة فقط؟ وجزاكم الله خيراً كثيراً، وبارك الله فيكم وفي علمكم..]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

العلم الشرعي يقوم على ثلاثة أركان:

١- الحفظ: وأعني به حفظ ما يتيسر من: النصوص القرآنية والنبوية والأفكار والمعلومات والمتون العلمية.

٢- الفهم: فهم المسائل الكلية والجزئية ومعرفة تعليلها وتفسيرها.

٣- التحليل والاستنتاج والابتكار: بناء على الربط بين النصوص، وفهم المقاصد الشرعية والقواعد الكلية في أنواع العلوم الشرعية.

وأما القراءة وحضور الدروس واستماع المحاضرات المسجلة وسؤال أهل العلم ما هي إلا وسائل لتحصيل هذه الأركان، وكلما تنوعت هذه الوسائل تحققت النتيجة الأفضل، ولا شك أنها جميعها وسائل مهمة، إلا أنَّ مَن لم تتيسر له جميعها فلا يعدم أن يجتهد في المتيسر منها، خاصة أن القراءة وسيلة سهلة ميسورة اليوم، وهي أفضلها وأجمعها على الإطلاق، فمن اجتهد فيها وفي استماع المحاضرات فقد حصَّل خيرا كثيرا، بشرط أن يلتفت إلى أركان العلم الثلاثة المذكورة فيسعى في تنميتها وتطويرها في نفسه من خلال القراءة، فلا يجعل القراءة غاية، بل هي وسيلة لتحصيل تلك الأركان، وذلك يعني العناية التامة بحفظ المهم من المقروء ومراجعته بين الحين والآخر، وفهمه الفهم الحسن على وجهه، مع محاولة مناقشة وجهه وتفسيره ونقده إن أمكن، فإذا تعود القارئ على هذا النوع من القراءة حصل الفائدة المرجوة، وإلا لم يَجنِ مِن قراءته إلا الثقافة العامة والاطلاع العام.

ثانيا:

استماع المحاضرات المسجلة أيضا من الوسائل المفيدة في تحصيل العلم الشرعي، وتعويض العجز عن السفر والرحلة للقاء العلماء والمشايخ، بل وتوفير الوقت والجهد والمال، إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة التي قد سبق بيانها في جواب السؤال رقم: (٨٩٥٧٥)

يقول الشيخ عبد العزيز السدحان في "معالم في طريق طلب العلم" (٤١-٤٢) :

" الأشرطة السمعية: هي والله نعمة، لكن كثيرا منا فرط فيها، وسبب التفريط في هذه النعمة يعود إلى عدم الاهتمام بترتيب الوقت، ولقد قرأت أثرا في أول الموضوع أن السلف كانوا يقولون: إن العلم يؤتى ولا يأتي، والآن يؤتى ويأتي بواسطة هذه الأشرطة التي تعين طالب العلم، ولقد ذكر المستمعون لها أن فيها خيرا كثيرا، ولقد انتفعت بها واستفدت خيرا، أقول هذا من باب التحدث بالنعمة. والصنعاني يقول في منظومته في الحج:

ومن لم يجرب ليس يعرف قدره فجرب تجد تصديق ما قد ذكرناه.

أليس من نعمة الله عليك أن يكون العلم مصاحبا لك في سيرك، وفي اضطجاعك على فراشك، وفي جلوسك على مائدتك؟

وإن الواحد منا إذا أحسن انتقاء الأشرطة، ورتب وقتا لسماعها في سيارته أو منزله لوجد في ذلك خيرا كثيرا.

وقد حدثت أن أحد الشباب الصالحين قد حفظ القرآن الكريم كله بفضل الله، ثم بسبب هذه الأشرطة، ويقول عن نفسه: إنه كان يستمع إلى قراءة الشيخ محمد صديق المنشاوي سنتين كاملتين، كلما انتهى من شريط أعاده حتى أصبح القرآن سلسا على لسانه.

فلا تستبعد هذا على نفسك، ولكن رتب وقتك، ورتب هذه الأشرطة في أثناء سماعك لها، ولا تدخل شريطا على آخر حتى تفرغ من الأول، فإن لم تستفد من الشريط الأول فأعده مرة ومرتين وكرات ومرات.

وإذا أردت أن تعرف قدر الساعات التي تهدر فانظر في سيرك كم تسمع خلاله من شريط، فإذا كان الشريط الواحد مدته ساعة أو ساعة ونصف، فهذه أوقات تهدر لا يفطن لها الواحد منا إلا إذا نبه لها، فرتب لنفسك وقتا تسمع فيه درسا في أثناء سيرك، خاصة وقد تباعدت المنازل والدور، وكثر الذهاب والإياب، لأجل العمل والزيارات، كزيارة رحم أو زيارة أخ في الله، وقضاء حاجة من متطلبات المنزل وغيرها، ثم حافظ على هذا الترتيب وسترى أنك لا تنزل من سيارتك إلا وقد سمعت من الفوائد الشيء الكثير.

ذكرت هذا لكثرتها، ولأن فيها من العلم الشيء الكثير، ولأن مشايخنا وكبار مشايخنا علمهم محفوظ فيها، وتباع بأيسر الأثمان، ويستطيع الواحد منا أن يتناولها في كل وقت.

وأعرف إخوة شغلوا عن حضور الدروس لكثرة الأعمال والأشغال، فعوضوا هذا بالاستماع إلى الأشرطة فنفعهم الله بها " انتهى.

ثالثا:

لفظ الشيخ قد استعمله علماء الحديث ـ في هذا السياق ـ بمعنى الراوي الذي يروي الحديث لمن دونه، فيكون هو شيخه وذاك تلميذه، ولو سمع منه حديثا واحدا فقط.

وأطلقه كثير من العلماء المتأخرين على العالم الذي لازمه الطالب، فأخذ عنه علمه وهديه وسمته، وصاحبه زمانا يتحقق فيه مقصد التفقه والتعليم.

ولعل هذا الاصطلاح الأخير هو السائد في عصرنا اليوم. وبناء عليه:

فالذي يريد أن يسمي واحدا من العلماء بأنه " شيخه "، فينسب نفس إليه، ينبغي أن يراعي اختلاف المدلول الذي يحمله هذا اللفظ عبر العصور، ومراعاة ذلك تكون بالصدق وعدم الإيهام، فلا ينبغي أن تطلق على أحد العلماء بأنه " شيخك " موهما أنك لازمته وحضرت له وأخذت عنه الشيء الكثير، في حين أنك لم تسمع منه شيئا، ولم تحضر دروسه إلا القليل، وقد تكون لم تره أصلا، فمن أوقع المستمعين في هذا الوهم يُخشى عليه أن يشملَه قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: (الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ)

البخاري (٥٢١٩) ومسلم (٢١٢٩)

يقول النووي في "شرح مسلم" (١٤/١١٠) :

" قال العلماء: معناه: المتكثر بما ليس عنده بأن يظهر أن عنده ما ليس عنده، يتكثر بذلك عند الناس، ويتزين بالباطل، فهو مذموم " انتهى.

أما من أطلق لفظة " شيخي " – يقصد بها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مثلا – وكان المستمعون يدركون أنه إنما يعني تلمذة استماع المحاضرات والأشرطة، وليس الحضور والملازمة الحقيقية، فلا حرج عليه حينئذ، فهو لم يزور الحقائق، ولم يستكثر بما لم يعط. وقد كان الشيخ صديق حسن خان القنوجي، المولود سنة (١٢٤٨هـ) ينقل عن الإمام الشوكاني المتوفى سنة (١٢٥٠هـ) ويقول: قال شيخنا. ولا يقصد به التلمذة الحقيقية، لأن الشوكاني توفي وعمره سنتان فقط، ولكنه أراد مشيخة القراءة والكتب، فقد اشتغل القنوجي بكتب الشوكاني وعلومه، وتبع منهجه فيها.

وللتوسع انظري جواب السؤال رقم: (١٨١٣) ، (١٠١٢٤) ، (٢٠١٩١) ، (٢٢٣٣٠)

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>