كيف تسهل على نفسها ارتداء الحجاب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أسهل على نفسي ارتداء الحجاب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نشكر لك أختنا الفاضلة حرصك على التزام أوامر الله، والارتقاء في منازل العبودية لرب العالمين، وسلوك الصراط المستقيم الذي أراد الله عز وجل من كل عبد أن يسلكه، وأمرهم بطلب الهداية إليه في كل وقت وحين: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) الفاتحة/٦
ونوصيك بالمبادرة إلى الخيرات، والمنافسة في عمل الصالحات، فقد حثنا عز وجل على ذلك بقوله: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران/١٣٣
وقال سبحانه: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) البقرة/١٤٨
والعبد لله – حقاً – الذي رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم، لا يتردد، ولا يستخير، ولا يستشير في أمر قد أمره الله به: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب/٣٦
قال أبو الزناد رحمه الله في "الفقيه والمتفقه" (١/٢٢٢) : إن السنن لا تخاصم، ولا ينبغي لها أن تتبع بالرأي والتفكير، ولو فعل الناس ذلك لم يمض يوم إلا انتقلوا من دين إلى دين، ولكنه ينبغي للسنن أن تلزم ويتمسك بها على ما وافق الرأي أو خالفه، ولعمري إن السنن ووجوه الحق لتأتي كثيرا على خلاف الرأي، ومجانبته خلافا بعيدا، فما يجد المسلمون بدا من اتباعها والانقياد لها " انتهى.
قال محمد بن نصر المروزي رحمه الله: " فمن دان بدين محمد صلى الله عليه وسلم فليقبل ما أتاه على ما وافق رأيه أو خالفه، ولا يشكن في شيء من قوله، فإن الشك في قول النبي صلى الله عليه وسلم كفر " انتهى من كتاب تعظيم قدر الصلاة.
وهذا من عظيم أدب الله للمؤمنين به، وتحذيره لهم أن يكون اتباعهم لدينه حسب الهوى والمصلحة الشخصية، قال الله تعالى: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) النور/٤٧-٥٢
قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره للآيات السابقة: (يخبر تعالى عن حالة الظالمين، ممن في قلبه مرض وضعف إيمان، أو نفاق وريب وضعف علم، أنهم يقولون بألسنتهم، ويلتزمون الإيمان بالله والطاعة، ثم لا يقومون بما قالوا، ويتولى فريق منهم عن الطاعة توليا عظيما، بدليل قوله: (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) فإن المتولي قد يكون له نية عود ورجوع إلى ما تولى عنه، وهذا المتولي معرض، لا التفات له، ولا نظر لما تولى عنه، وتجد هذه الحالة مطابقة لحال كثير ممن يدعي الإيمان والطاعة لله وهو ضعيف الإيمان، وتجده لا يقوم بكثير من العبادات، خصوصا: العبادات التي تشق على كثير من النفوس، كالزكوات، والنفقات الواجبة والمستحبة، والجهاد في سبيل الله، ونحو ذلك. (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) أي: إذا صار بينهم وبين أحد حكومة، ودعوا إلى حكم الله ورسوله (إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ) يريدون أحكام الجاهلية، ويفضلون أحكام القوانين غير الشرعية على الأحكام الشرعية، لعلمهم أن الحق عليهم، وأن الشرع لا يحكم إلا بما يطابق الواقع. (وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ) أي: إلى حكم الشرع (مُذْعِنِينَ) وليس ذلك لأجل أنه حكم شرعي، وإنما ذلك لأجل موافقة أهوائهم، فليسوا ممدوحين في هذه الحال، ولو أتوا إليه مذعنين، لأن العبد حقيقة، من يتبع الحق فيما يحب ويكره، وفيما يسره ويحزنه، وأما الذي يتبع الشرع عند موافقة هواه، وينبذه عند مخالفته، ويقدم الهوى على الشرع، فليس بعبد على الحقيقة، قال الله في لومهم على الإعراض عن الحكم الشرعي: (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي: علة، أخرجت القلب عن صحته وأزالت حاسته، فصار بمنزلة المريض، الذي يعرض عما ينفعه، ويقبل على ما يضره. (أَمِ ارْتَابُوا) أي: شكوا، وقلقت قلوبهم من حكم الله ورسوله، واتهموه أنه لا يحكم بالحق. (أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ) أي: يحكم عليهم حكما ظالما جائرا، وإنما هذا وصفهم (بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ، وأما حك الله ورسوله، ففي غاية العدالة والقسط، وموافقة الحكمة (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ، وفي هذه الآيات، دليل على أن الإيمان، ليس هو مجرد القول حتى يقترن به العمل، ولهذا نفى الإيمان عمن تولى عن الطاعة، ووجوب الانقياد لحكم الله ورسوله في كل حال، وأن من ينقد له دل على مرض في قلبه، وريب في إيمانه، وأنه يحرم إساءة الظن بأحكام الشريعة، وأن يظن بها خلاف العدل والحكمة.
ولما ذكر حالة المعرضين عن الحكم الشرعي، ذكر حالة المؤمنين الممدوحين، فقال: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ) حقيقة، الذين صدقوا إيمانهم بأعمالهم حين يدعون إلى الله ورسوله ليحكم بينهم، سواء وافق أهواءهم أو خالفها، (أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) أي: سمعنا حكم الله ورسوله، وأجبنا من دعانا إليه، وأطعنا طاعة تامة، سالمة من الحرج. (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) حصر الفلاح فيهم، لأن الفلاح: الفوز بالمطلوب، والنجاة من المكروه، ولا يفلح إلا من حكم الله ورسوله، وأطاع الله ورسوله، ولما ذكر فضل الطاعة في الحكم خصوصا، ذكر فضلها عموما، في جميع الأحوال، فقال: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فيصدق خبرهما ويمتثل أمرهما، (وَيَخْشَ اللَّهَ) أي: يخافه خوفا مقرونا بمعرفة، فيترك ما نهى عنه، ويكف نفسه عما تهوى، ولهذا قال: (وَيَتَّقْهِ) بترك المحظور، لأن التقوى -عند الإطلاق- يدخل فيها، فعل المأمور، وترك المنهي عنه، وعند اقترانها بالبر أو الطاعة - كما في هذا الموضع - تفسر بتوقي عذاب الله، بترك معاصيه. (فَأُولَئِكَ) الذين جمعوا بين طاعة الله وطاعة رسوله، وخشية الله وتقواه، (هُمُ الْفَائِزُونَ) بنجاتهم من العذاب، لتركهم أسبابه، ووصولهم إلى الثواب، لفعلهم أسبابه، فالفوز محصور فيهم، وأما من لم يتصف بوصفهم، فإنه يفوته من الفوز بحسب ما قصر عنه من هذه الأوصاف الحميدة " انتهى تفسير السعدي.
وتذكري – يا أمة الله - أن الدنيا أنفاس معدودة، لا يدري المرء فيها متى يحين أجله، فأَوْلى به أن يستعد لقضاء الله بما يرضيه، لا بما يسخطه ويغضبه.
واعلمي أن الشيطان ما يزال يملي لك التسويف والتأجيل حتى يحدث لك ما يمنعك من طاعة الله، فقد سخَّر نفسه للإغواء، ولن يترك فرصة يحرم فيها المؤمن من الفضل إلا وكان لها بالمرصاد، ولهذا قال بعض السلف: احذروا سوف، فإنها جند من جند إبليس!! .
أتيها المسلمة، يا أمة الله:
إن الحجاب شرف وعزة، وهو قبل ذلك سبب حلول الرحمة والرضوان، يقول الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الأحزاب/٥٩
فلا تستصغري في نفسك قطعة القماش تلك، فهي تخفي وراءها طهرا وعفة وخلقا وأدبا، وهي هدي أمهات المؤمنين ونساء الصالحين، هدي خديجة وفاطمة وعائشة وحفصة وأم سلمة وسائر الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله.
يا أمة الله:
إن مما يدمي القلب أن نرى أفواج الفتيات المسارعات إلى التبرج والسفور، لا تلوي إحداهن على خُلُق، ولا تستحي من الخَلق، ولا تتردد في كشف مفاتنها وإبداء زينتها، مخالفةً فطرةَ الحياء التي فطر الله النساء عليها، ولكنها – بتزيين الشيطان لها – تقوى على ذلك، وتتفنن في المعصية.
فهل يبقى بعد ذلك سبب للخجل من لبس الحجاب أو النقاب؟ وهل نرضى أن يجترئ أهل المعصية بمعاصيهم، ويستحيي أهل الطاعة بطاعتهم وعفتهم وطهارتهم؟!!
وهل هانت في أنفسنا أوامر الله حتى نجعلها عرضة لأهواء الناس ونظراتهم.
إن أول وأهم خطوة في لبس الحجاب هي القناعة بفرضيته، والتسليم لأمر الله بحتميته، فليس للمؤمنة فيه خيار، فالله سبحانه وتعالى يقول: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) الأحزاب/٣٦
ثم عودي نفسك على تجاهل نظرات الناس وكلماتهم، فإرضاء الناس غاية لا تدرك، ومن راقب الناس مات غما، وأيقني أن الله سبحانه وتعالى راض عنك بطاعتك، وهو مطلع على ما تتعرضين له في سبيل استقامتك، وسيجعل لك بعد عسر يسرا.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنِ التَمَسَ رِضَاءَ اللهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنِ التَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ)
رواه الترمذي (٢٤١٤) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (٢٣١١)
وقد كتبت عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث إلى معاوية، بعد أن طلب منها النصيحة، وكتبت إليه مرة أخرى فقالت: أما بعد، فاتق الله، فإنك إذا اتقيت الله كفاك الناس، وإذا اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئا، والسلام.
فتذكري أن الإنسان مرتهن بعمله، وأنه إذا أسلمه الناس إلى قبره، وأهالوا التراب على جسده، فلن يجد في شيء أنيسا ولا جليسا إلا عمله الصالح، وتنقطع عنه جميع الأسباب حينئذ إلا أسباب الخالق عز وجل، فليستعد كل امرئ منا لذلك الموقف العظيم؟!
يقول الله عز وجل: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ. لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) عبس/٣٤-٣٧
ويقول سبحانه: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) الزخرف/٦٧
فإياك أن تكوني من الغافلين، وإياك أن تستعملي التسويف والتأجيل، وبادري بالخير قبل فوات الأوان، فالدنيا أيام فانية، وشهوات زائلة.
نسأل الله تعالى لنا ولك الهداية والثبات في الدنيا والآخرة.
ويمكنك مراجعة الأسئلة: (١١٩٦٧) ، (١٣٩٩٨) ، (٦٩٨٠٤)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب