منتدى يستضيف نساء ورجالاً ويسألهم الكتَّاب أسئلة عامة، ووقفة مع آية الحجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد رأيكم في مسألة مهمة، في أحد المنتديات الإسلامية تم الإعلان عن عمل حوارات، ولقاءات مع شخصيات على المنتدى، منهم طلاب علم، اللقاءات نظامها كالآتي: يتم تحديد اليوم على المنتدى , ثم يدخل الأعضاء في هذا اليوم ليوجهوا أسئلة مباشرة للعضو المستضاف , والأسئلة يكون أغلبها شخصيَّة، مثل كيف تقضي وقت فراغك؟ ما هي هواياتك؟ كيف نشأت؟ صفة حسنة تتصف بها؟ موقف طريف مرَّ بك؟ هذه الأسئلة توجه من قبل الأعضاء - رجالاً ونساءً - إلى العضو المستضاف، والذي يكون أيضا رجلاً أو امرأةً , وتجعلهم يستشفون شخصية المستضاف، ويكوِّنون عنه صورة مثالية إلى حدٍّ كبير، وكما هو المعلوم أن رواد المنتدى منهم شباب، وفتيات، ومثل هذه الأسئلة إذا وجهها رجل لامرأة وأجابته: قد يفتن بها، ويكوِّن عنها صورة في خياله , والعكس صحيح , وأيضاً قد يتسلل الرياء إلى النفس , فلا أحد يحب أن يظهر إلا بأحسن صورة. قمت أنا بالرد عليهم، وتوضيح هذه النقطة لهم قلت إنه إذا كانت لقاءات النساء في منتدى خاص بهم , أي: النساء يوجهن الأسئلة للعضوة المستضافة في قسم خاص بهن , وبالمثل للرجال: هذا يقلل من الفتن، ويغلق باباً من أبواب الشيطان، جادلني شخص منهم وقال إنه إذا فكرنا بهذا المنطق فلا بد أن نغلق الجامعات لأنها سبب للفتن، وأيضا لا ننقل سير الأعلام والنبلاء، حتى لا يفتن الناس بهم، وأيضاً: يمكن أن يحدث حسد بين النساء في حوارهن مع هذه الفتاة طالبة العلم، إذن: لا نسمح لهن أيضا بالحوار معها؛ لأن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، واستدل بجواز مثل هذه الحوارات بأن قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمدح الصحابة، ولم يخف بوصول هذا المدح للنساء ليفتنوا به، قلت له: إن الوضع يختلف؛ لأن الفتنة بين الرجال والنساء إذا تم توجيه أسئلة مباشرة مثل هذه بينهم: أرجح، وأقوى في الحدوث، من الحسد بين النساء إذا تمت هذه الحوارات في منتدى خاص بهن، وأمر الشرع بسد أبواب الفتن، واستدللت بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والآية الكريمة (وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) ، وهنا ثار هذا الرجل، واتهمني بتحريف القرآن، والاستدلال بالآية في غير موضعها؛ لأن الآية تتحدث عن الحجاب، وأنا أفسرها على أنها دليل لسد الشرع لمداخل الشيطان بأن أمر خير خلق الله بعد الأنبياء، وهم الصحابة، وزوجات النبي صلي الله عليه وسلم أنهم إذا طلبوا منهم متاعاً أن يكون ذلك من وراء حجاب؛ للحرص على طهارة قلوبهم. الآن: هل أنا فعلا مخطئة بالاستدلال بالآية الكريمة في هذا الموضع؟ . السؤال الثاني: ما حكم هذه الاستضافات التي هي أساس المشكلة، وهل أنا مخطئة في رأيي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
بحكم اتصالنا بالناس واتصال الناس بنا: وقفنا على مصائب، وقبائح، في المنتديات بما تشيب له رؤوس الولدان، ولم تفرق تلك المصائب والقبائح بين من ظاهره الالتزام، أو عكسه، فالجميع في هذه الفتنة سواء، بل إن مداخل الشيطان على الملتزمين متعددة، ومتنوعة؛ لإيقاعهم في شرَك المعصية، والفتنة.
وقد أوضحنا موقفنا هذا، وذكرنا ما نعتقد من الحكم الشرعي في مشاركة المرأة في المنتديات، ومناقشة الرجال فيها، في جواب السؤال: (٨٢١٩٦) فليُنظر.
كما بينَّا في جواب السؤال رقم: (٩٢٨٢٤) بعضاً من مفاسد تلك المشاركات النسائية.
وما جاء في السؤال لا يختلف عما نحذِّر منه، فأي حاجة للرجال لاستضافة امرأة وسؤالها عن مسائل شخصية؟ وأي حاجة للنساء لمعرفة ذلك عن رجل أجنبي عنها، مع ما يكون مع ذلك من مزاح، وتعليقات، وإبداء إعجاب، ومراسلات خاصة، ومن نفى وجود ذلك: فهو متوهم، يعيش في غير العالَم الموجود.
لذا فإننا نرى أن مثل هذه الاستضافات، والحوارات، والأسئلة، تكون لكل جنس مع جنسه، فالمرأة مع بنات جنسها، والرجل مع الرجال، على أن تكون الأسئلة بعيدة عن الأمور الشخصية التي يُفهم منها تعلق، أو مزيد إعجاب، كما تتجنب الأسئلة التي تتعلق بالطاعات الخاصة التي يفعلها المستضاف بينه وبين ربه، فيزول بذلك ما ذُكر في السؤال من احتمال التعلق، أو التسبب في الكذب، أو الرياء.
ومفاسد الاختلاط في الحديث والمشاركات سواء الكتابية، أو الصوتية – في البالتوك – لم تعُد تخفى على أحدٍ، وما ذُكر في السؤال من طريقة في الكتابة في تلك الاستضافات لا نراها جائزة.
بل لكثرة الكذب والغش والتدليس في ذلك، وإمكان أن يدخل الرجل، باسم مستعار، يوهم أنه امرأة، والعكس، فلا نرى للمسلمة الصيِّنة إلا البعد التام عن مثل هذه الحوارات، التي إن سلمت من كل شر وفساد، فيكفيها وبالا ما فيها من إضاعة الزمان في غير نفع ولا طائل!
ثانياً:
أما الاستدلال بقوله تعالى (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) الأحزاب/ ٥٣ فهو استدلال صحيح لكلا الطرفين، ولا منافاة بينهم، فيستدل بها على وجوب الحجاب على عموم النساء، وحيث إن هذا الحكم لم يأت في الآية في صورة التعبد المحض، والأمر المجرد، وإنما ورد معللا بعلة، وهي طهارة القلب، فإن الاستدلال بها على المنع من كل ما يسبب مرضاً للقلب، والحث على كل ما يطهره، هو استدلال صحيح.
وهذه العلة في الآية قرينة قوية للاستدلال بالآية على وجوب الحجاب على عموم النساء، وأنه ليس خاصّاً بأمهات المؤمنين، ولا أن المخاطب بها هم الصحابة فقط، بل هم عموم المسلمين.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْألُوهُنَّ مِن وراء حِجَابٍ ذالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) : قد قدّمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمّنها: أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً، وتكون في نفس الآية قرينة تدلّ على عدم صحة ذلك القول، وذكرنا له أمثلة في الترجمة، وأمثلة كثيرة في الكتاب لم تذكر في الترجمة، ومن أمثلته التي ذكرنا في الترجمة هذه الآية الكريمة، فقد قلنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: ومن أمثلته: قول كثير من الناس إن آية " الحجاب "، أعني: قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ) خاصة بأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم، فإن تعليله تعالى لهذا الحكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة في قوله تعالى: (ذالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم، إذ لم يقل أحد من جميع المسلمين إن غير أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن، وقلوب الرجال من الريبة منهنّ، وقد تقرّر في الأصول: أن العلّة قد تعمّم معلولها ...
وبما ذكرنا: تعلم أن في هذه الآية الكريمة الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب حكم عام في جميع النساء، لا خاص بأزواجه صلى الله عليه وسلم، وإن كان أصل اللفظ خاصًّا بهن؛ لأن عموم علّته: دليل على عموم الحكم فيه ... .
" أضواء البيان " (٦ / ٢٤٢، ٢٤٣) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب