للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الخصم من أجرة الموظف بسبب أخطائه

[السُّؤَالُ]

ـ[نعمل في شركة تقوم بعقاب موظفيها في حال الخطأ بالخصم من المرتب يوما أو يومين، وذلك لا يستند إلى قانون معين في الخصميات، حيث يتم الخصم وفقاً لما يراه المدير المباشر، ولكم يحترق في صدورنا أن يخصم من مرتباتنا على أخطاء قد تكون سهلة جدّاً، فهل يصح منا إذا قمنا بإهدار وقت العمل في أشغالنا الخاصة بمقدار ما خصم منا ظلماً؟ وهل يحق لهم أكل جهدنا، علما بأنه لم يكن متفقا عليه وقت التعاقد؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

الموظف في القطاع العام أو الخاص هو " الأجير الخاص " في مصطلحات الفقه الإسلامي، والأجير الخاص هو الذي يتم التعاقد معه على أن يعمل مدة معينة عند المستأجر، وهذا هو الواقع في الوظائف الآن، حيث يتم الاتفاق على ساعات عمل محددة كل يوم.

وقد بين الفقهاء الأحكام الفقهية المتعلقة بالأجير الخاص في كتبهم المطولة.

ومن ذلك: أن الأجير الخاص لا يستحق الأجرة المتفق عليها (الراتب) إلا إذا أتم ما يطلب منه من الأعمال المتفق عليها في العقد.

جاء في " الموسوعة الفقهية " (١ / ٢٩٢) :

" وربّ العمل ملتزم بالوفاء بأجر العامل بتسليم نفسه، بشرط ألاّ يمتنع عمّا يطلب منه من عمل، فإن امتنع بغير حقّ: فلا يستحقّ الأجر، بغير خلاف في هذا " انتهى.

وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (١٥ / ١٥٣) :

" الواجب على من وكل إليه عمل يتقاضى في مقابله راتبا أن يؤدي العمل على الوجه المطلوب، فإن أخل بذلك من غير عذر شرعي لم يحل له ما يتقاضاه من الراتب " انتهى.

ثانياً:

إذا أخطأ الأجير الخاص أو أتلف شيئاً (كآلة من الآلات التي يعمل بها) هل يضمن ذلك ويغرم قيمته أم لا؟

الجواب: لا يخلو ذلك من حالين:

الأولى: أن يكون ذلك باعتداء منه أو تقصير، كما لو استعمل الآلات والأجهزة استعمالاً خاطئاً فأدى إلى تلفها أو حَمَّلها ما لا تطيق، أو لم يقم بالعمل على وجهه، أو أهمل في العمل....إلخ ففي هذه الحالة يضمن ما أتلفه من غير اختلاف بين الفقهاء، وللمستأجر أن يخصم قيمة ما أتلفه من راتبه.

الحالة الثانية: أن يحصل هذا التلف من غير اعتداء منه أو تقصير، فهذا مما اختلف فيه العلماء، والذي عليه أكثرهم أنه لا يضمن إلا إذا تعدى أو قصَّر، وذهب آخرون (كالإمام الشافعي في أحد قوليه) إلى أنه يضمن.

وانظر: "تكملة المجموع" (١٥/٣٥٤) ، " الموسوعة الفقهية " (١ / ٢٩٠) .

والمسألة من مسائل الاجتهاد، فإذا أخذ صاحب العمل سواء كان فردا أو مؤسسة بالقول الذي فيه تضمين الأجير، فلا ينكر عليه، على أن يقدر لكل خطأ قدره من الخصم من غير ظلم أو إجحاف، فإذا اختلف صاحب العمل والأجير في تحديد ذلك، فالمرجع في الفصل بينهم إلى القاضي الشرعي.

أما إذا أخطأ الموظف خطأ لم يترتب عليه إتلاف أموال أو ضياعها، كما لو تأخر في القدوم إلى العمل، أو تغيب من غير عذر....إلخ فهل لصاحب العمل أن يخصم شيئاً من راتبه مقابل ذلك أم لا؟

الجواب: نعم، له ذلك، وبعض هذه الخصومات يكون منصوصاً عليها في العقد أو في اللوائح الداخلية للشركة، ثم هي مما جرى عليه عمل الناس، والموظف يعمل في الشركة ويعلم أنه إذا قصَّر في العمل أو خالف أنظمة الشركة سوف يتعرض للعقاب، ومنه: الخصم من الراتب، فهذا وإن لم يكن منصوصاً عليه في العقد إلا أنه معروف، وجرى عليه عمل الناس.

لكن الواجب على صاحب العمل أو المدير أن يتحرى العدل، ويجتنب الظلم، فيكون الخصم بمقدار التقصير والخطأ، ولا يبالغ في ذلك.

سئل علماء اللجنة الدائمة:

عندما أقوم بفصل مشرفة أو عاملة من العمل أو أقسو عليها من الخصم لكي تصلح حالها فهل هذا حرام؟

فأجابوا:

" الخصم على الموظف أو الموظفة أو الفصل من العمل لا يجوز إلا في حدود النظام الذي وضعه ولي الأمر " انتهى.

" فتاوى اللجنة الدائمة " (٢٣ / ٤١٠) .

ثالثاً:

وأنت – أخي الكريم – قد وقعت في بعض الأخطاء كما ذكرت في السؤال، فإن وجدت أن الخصم كان أكبر من الخطأ، أو أنه خطأ يسير غير معتبر لا يقع الخصم على مثله في الشركات الأخرى، فليس أمامك إلا الشكوى للمسؤولين في الشركة وبيان وجهة نظرك، فإن أصروا ولم تقتنع أنت بحجتهم فالجأ إلى المحكمة الشرعية التي تفصل بينكم بالحق إن شاء الله.

أما أن تسول لك نفسك تعمد التغيب أو التأخر أو التقصير في العمل، أو استرداد ما خصم بالطرق غير المشروعة – كما يقوم به بعض الموظفين - لاسترداد الحق المختلف عليه بينكم: فليس ذلك سبيل المؤمنين، ولا يجوز فعله، لأن استرداد الحقوق المتنازع عليها لا يفصل فيه إلا القضاء، وليس المرجع فيه أهواء الناس وأحكامهم لأنفسهم.

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة:

هل الذي يسرق أو يأخذ بغير إذن من محل شركة وطنية في حق نقصان أجرته تعتبرسرقة وحراما؟

فأجابوا:

" نعم، يعتبر حراماً، وإذا كان له حق واضح فليطالب به أمام السلطات " انتهى.

" فتاوى اللجنة الدائمة " (١٩ / ٢٢١) .

وفي " فتاوى اللجنة " أيضاً: (١٥ / ١٢٣) سئلوا عن عامل ظلمه صاحب العمل فخص عليه من الراتب، فكان الجواب:

" وإذا حصل بينك وبينه خلاف: فعليك بمراجعة المحكمة الشرعية للنظر في قضيتكما، ولا يجوز لك الأخذ من ماله بغير إذنه وعلمه " انتهى.

وقالوا أيضا (١٥ / ١٤٤) :

" لا يجوز لك أن تأخذ من صاحب العمل ما يعادل ما تبقى لك من الأجرة بدون علمه، ولكن لك الحق بأن تطالبه بما تبقى بالطرق المشروعة، ولو بالمرافعة إلى المحاكم " انتهى.

كما سئل الشيخ ابن باز رحمه الله في " فتاوى نور على الدرب " (شريط رقم: ٤١٠) السؤال التالي:

إنه شاب كان يعمل بشركة من الشركات، ولكن فوجئت بأن الشركة قد خصمت عليّ أشياء بدون وجه حق، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى قدمت أعمالاً أستحق عليها المكافأة ولم يعطوني إياها، فاضطررت إلى أن أعمل ما يلي: عندما كنت أشتري أشياء للشركة كنت أحصل على خصم كبير من أصحاب المحلات، ولكن هذا بيني وبين أصحاب المحلات، وكنت آخذ الخصم في جيبي الفاتورة بمائة جنيه آخذ خمسة وعشرين جنيه والفاتورة تكتب بمائة؛ مع العلم أن الأسعار بالفاتورة مثل المحلات الخارجية أي: أن قيمة الفاتورة لا تزيد عن سعرها الطبيعي ولكن الذي يحدث هو زيادة الخصم لكثرة الشراء ولا يكتب الخصم بالفاتورة؟ وجهونا في ضوء ذلك.

فأجاب رحمه الله:

" الواجب عليك أن تحاسبهم وتخاصمهم حتى يكون الأمر بَيِّنًا، قد تكون متساهلا فيما تدعي حقا لك، فالواجب عليك أن تكون المسألة بينك وبينهم من جهة الصلح، بواسطة المصلحين أو بواسطة المحكمة، أو بينك وبينهم، هذا الواجب عليك حتى لا تأخذ إلا حقك " انتهى.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>