ينشط في عبادته ثم يعود للمعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مشكلة أني كلما زادت عبادتي وتحسنت أحوالي الإيمانية من أداء النوافل والسنن والمستحبات، وقعت في معصية العادة السرية بالرغم من أني متزوج وأعيش حياة أسرية سعيدة وعندما أمارس هذه العادة أحس بالذنب والذل والانكسار بين يدي الله تعالى وأعود وأرفع المستوى الإيماني عندي ثم ما ألبث أن أعود، حالتي سيئة الرجاء المساعدة.
سمعت في أحد الأشرطة أن بعض الناس يصاب بالعجب عند زيادة العبادة فيوقعه الله في المعصية حتى يشعره أنه لا زال عبداً لا يملك أن يعجب بأعماله فمهما قدم فكلها قليل. هل أنا منهم وهل ما فهمته في الشريط كان صحيحا؟؟
مع العلم أني والحمد لله أصلي وملتزم بأغلب تعاليم الإسلام ولكن المشكلة تكمن عند زيادة النوافل؟ فما هو الحل؟ ساعدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فما ذكرته من أن الله عز وجل قد يبتلي العبد بالذنب ليرده إليه، ولئلا يعجب بعمله، هذا ذكره بعض أهل العلم، قال ابن القيم رحمه الله: " إن الذنب قد يكون أنفع للعبد إذا اقترنت به التوبة من كثير من الطاعات، وهذا معنى قول بعض السلف: قد يعمل العبد الذنب فيدخل به الجنة ويعمل الطاعة فيدخل بها النار، قالوا: وكيف ذلك قال: يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه إن قام وإن قعد وإن مشى ذكر ذنبه فيُحدِثُ له انكساراً وتوبةً واستغفارا وندما فيكون ذلك سبب نجاته، ويعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه إن قام وإن قعد وإن مشى كلما ذكرها أورثته عجباً وكبرا ومنة فتكون سبب هلاكه فيكون الذنب موجبا لترتب طاعات وحسنات ومعاملات قلبية من خوف الله والحياء منه والإطراق بين يديه منكسا رأسه خجلا باكيا نادما مستقيلا ربه، وكل واحد من هذه الآثار أنفع للعبد من طاعة توجب له صولة وكبرا وازدراء بالناس ورؤيتهم بعين الاحتقار، ولا ريب أن هذا الذنب خير عند الله وأقرب إلى النجاة والفوز من هذا المعجب بطاعته الصائل بها المانّ بها وبحاله على الله عز وجل وعباده، وإن قال بلسانه خلاف ذلك فالله شهيد على ما في قلبه، ويكاد يعادى الخلق إذا لم يعظموه ويرفعوه ويخضعوا له ويجد في قلبه بغضة لمن لم يفعل به ذلك، ولو فتش نفسه حق التفتيش لرأى فيها ذلك كامنا " مدارج السالكين ١ / ٢٩٩
وقال الشيخ ابن عثيمين: " وما أكثر ما يكون الإنسان منا بعد المعصية خيرا منه قبلها، وفي كثير من الأحيان يخطئ الإنسان ويقع في معصية، ثم يجد من قلبه انكساراً بين يدي الله وإنابة إلى الله، وتوبة إليه حتى إن ذنبه يكون دائما بين عينيه يندم عليه ويستغفر، وقد يرى الإنسان نفسه أنه مطيع، وأنه من أهل الطاعة فيصير عنده من العجب والغرور وعدم الإنابة إلى الله ما يفسد عليه أمر دينه، فالله حكيم قد يبتلي الإنسان بالذنب ليصلح حاله، كما يبتلي الإنسان بالجوع لتستقيم صحته. وهل حصل لآدم الاجتباء إلا بعد المعصية والتوبة منها.
كما قال: (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) طه/١٢٢، أي: بعد أن أذنب وتاب؛ اجتباه ربه فتاب عليه وهداه، وانظر إلى الذين تخلفوا في غزوة تبوك ماذا حصل لهم؟ لا شك أنه حصل لهم من الإيمان، ورفعة الدرجات، وعلو المنزلة ما لم يكن قبل ذلك، وهل يمكن أن تنزل آيات تتلى إلى يوم القيامة في شأنهم لولا أنهم حصل منهم ذلك ثم تابوا إلى الله "
[الشرح الممتع ٣ / ٦٦]
ثم اعلم – أخي الحبيب – أن الوقوع في هذه العادة محرم شرعا، كما دل على ذلك كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد سبق تفصيل الأدلة في السؤال رقم (٣٢٩) ، كما أن تلك العادة من الأمور المستقبحة فطرة وعقلا، ولا يليق بمسلم أن يدنو بنفسه لفعلها.
واعلم أن المعاصي لها شؤم على المرء، في عاجل دنياه، وفي أخراه، إن لم يتب، أو يتداركه الله برحمته، وقد سبق بيان ذلك في الأسئلة التالية (٢٣٤٢٥، ٨٨٦١)
ثم إن فعل تلك العادة له أسباب، فابتعد عنها حتى تتخلص منها، وعليك بما يلي:
١. احرص على مصاحبة الأخيار، ورفقاء الصلاح والتقوى، واستفد منهم ومن تجاربهم.
٢. داوم على الأذكار وقراءة القرآن، واجعل لنفسك وردا يوميا لا تتخلف عنه.
٣. ضع لنفسك برنامجاً مفيداً في تعلم العلوم الشرعية، أو غيرها.
٤. ضع لنفسك برنامجاً رياضياً، أو اشترك في ناد رياضي.
٥. أكْثِرْ من النوافل، خاصة صيام التطوع، فهو وسيلة مهمة لمقاومة الغريزة المتأججة، وكبح جماح الشهوة.
٦. احرص على الدعاء، وسؤال الله عز وجل أن يخلصك من هذه العادة القبيحة المحرمة، وأن يقوي من قلبك وعزمك.
٧. واعلم أن أضرار العادة السرية فوق ما تحصى، فهي تتلف الجسم، وتضعف الجهد، وتقوي الفجوة بين العبد وربه، وهي عامل كبير من عوامل الاكتئاب، والشعور بالذنب.
٨. تجنب الوحدة قدر استطاعتك؛ لأن هذه العادة من عمل الوحدة وأثرها.
٩. احرص على الصلاة في المسجد، وقيام الليل، فهو أنس للنفس، وطمأنينة في القلب.
١٠. وأخيرا عليك بالاستمرار على التوبة، والبكاء من خشية الله عز وجل، والانكسار والانطراح بين يديه، وسؤاله العفو والمغفرة، وأن تعزم كل مرة عزما أكيدا ألا تعود لفعل تلك العادة، فإن غالبتك نفسك فغالبها، وجاهدها {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} ، فإن غلبتك فجدد التوبة، وجدد العهد، ولا تيأس من رحمة الله، وأكثر من فعل النوافل والصالحات) وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) هود/١١٤.
وفقك الله لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب