لا يعد هذا من سب الدهر
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الأناشيد الإسلامية، يذكر بها بعض الكلمات، لا أدري إن كانت مباحة أم لا؟ فمثلا هنالك نشيد يقال به (والله لو يمحو الزمان شمائلا سأظل وحدي طول عمري ثابتاً) ، وقد سمعت: أن الله نهى عن سب الدهر، فهل هذا الكلام مباح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا الحديث الذي أشار إليه السائل، رواه البخاري (٤٨٢٦) ، ومسلم (٢٢٤٦) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ".
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (٧/٤١٩) : " قَالَ الْعُلَمَاء: وَهُوَ مَجَاز، وَسَبَبه أَنَّ الْعَرَب كَانَ شَأْنهَا أَنْ تَسُبّ الدَّهْر عِنْد النَّوَازِل وَالْحَوَادِث وَالْمَصَائِب النَّازِلَة بِهَا مِنْ مَوْت أَوْ هَرَم أَوْ تَلَف مَال أَوْ غَيْر ذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: يَا خَيْبَة الدَّهْر، وَنَحْو هَذَا مِنْ أَلْفَاظ سَبّ الدَّهْر، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَسُبُّوا الدَّهْر فَإِنَّ اللَّه هُوَ الدَّهْر " أَيْ لَا تَسُبُّوا فَاعِل النَّوَازِل، فَإِنَّكُمْ إِذَا سَبَبْتُمْ فَاعِلهَا وَقَعَ السَّبّ عَلَى اللَّه تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ فَاعِلهَا وَمُنْزِلهَا. وَأَمَّا الدَّهْر الَّذِي هُوَ الزَّمَان فَلَا فِعْل لَهُ، بَلْ هُوَ مَخْلُوق مِنْ جُمْلَة خَلْق اللَّه تَعَالَى " انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين في "القول المفيد على كتاب التوحيد" (٢/٢٤٠) : " وسب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يقصد الخبر المحض دون اللوم ; فهذا جائز، مثل أن يقول: تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده، وما أشبه ذلك ; لأن الأعمال بالنيات، ومثل هذا اللفظ صالح لمجرد الخبر، ومنه قول لوط عليه الصلاة والسلام: " هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ " هود/٧٧.
الثاني: أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل، كأن يعتقد بسبه الدهر، أن الدهر هو الذي يقلب الأمور إلى الخير والشر، فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقا ; لأنه نسب الحوادث إلى غير الله، وكل من اعتقد أن مع الله خالقا ; فهو كافر، كما أن من اعتقد أن مع الله إلها يستحق أن يعبد، فإنه كافر.
الثالث: أن يسب الدهر لا لاعتقاده أنه هو الفاعل، بل يعتقد أن الله هو الفاعل، لكن يسبه لأنه محل لهذا الأمر المكروه عنده ; فهذا محرم، ولا يصل إلى درجة الشرك، وهو من السفه في العقل والضلال في الدين ; لأن حقيقة سبه تعود إلى الله - سبحانه - ; لأن الله تعالى هو الذي يصرف الدهر، ويُكَوِّن فيه ما أراد من خير أو شر، فليس الدهر فاعلا، وليس هذا السب يُكَفِّر ; لأنه لم يسب الله تعالى مباشرة " انتهى.
ثانياً:
ما جاء في هذا النشيد لا يعتبر سباً للدهر؛ لأنه من باب الإخبار، فهو إخبار بعزمه على الثبات على أخلاقه ومبادئه، حتى وإن تغير حال غيره، مع مرور الأيام والأزمان.
وهذا المعنى صحيح، لا إشكال فيه.
وذكر ما يحدث في الدهر، وما تنزل فيه من مصائب، وكوارث، وتقلب أحوال الناس فيه بين الخير والشر لا يعد سباً للدهر، كما سبق.
وفي صحيح البخاري (٧٠٦٨) عن الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ الْحَجَّاجِ، فَقَالَ: (اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، سَمِعْتُهُ مِنْ نَبيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
ولا يزال هذا الأمر – أعني فساد أحوال الزمان – يتتابع شيئا فشيئا، وينقص العلم، ويظهر الشح ويتغير الناس حتى لا يبقى في آخر الزمان إلا شرار الخلق، يتهارجون تهارج الحُمُر، وعليهم تقوم الساعة.
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ قَالُوا وَمَا الْهَرْجُ قَالَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ " رواه البخاري (٦٠٧٣) ، ومسلم (١٥٧) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب