حكم الإقامة في بلاد الكفار، والتشبه بهم، والتبرع لجمعياتهم بالمال
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك مدرسة إسلامية بكندا، تجعل الأطفال يقومون بالمشي لمدة ساعتين؛ تضامناً مع مرضى السرطان؛ تقليداً لأحد الكفار الذي ابتدع هذا الأمر، ثم تبيع المدرسة " البيتزا " لزيادة المال، للتبرع لصالح مؤسسة خيرية كافرة تتعامل مع السرطان، فهل المشي من أجل السرطان، أو لأسباب أخرى يعتبر تشبهاً بالكفار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جاءت نصوص القرآن والسنة تنهي المسلم عن الإقامة في بلاد الكفار، إلا لضرورة أو مصلحة شرعية.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
والسفر إلى بلاد الكفار: محرَّم، إلا عند الضرورة - كالعلاج، والتجارة، والتعلم للتخصصات النافعة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالسفر إليهم - فيجوز بقدر الحاجة، وإذا انتهت الحاجة: وجب الرجوع إلى بلاد المسلمين، ويشترط كذلك لجواز هذا السفر: أن يكون مُظهِراً لدينه، معتزاً بإسلامه، مبتعداً عن مواطن الشر، حذراً من دسائس الأعداء ومكائدهم، وكذلك يجوز السفر، أو يجب، إلى بلادهم، إذا كان لأجل نشر الدعوة إلى الله، ونشر الإسلام.
" الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " (ص ٣١٧) .
وقال حفظه الله أيضاً – في بيان مظاهر موالاة الكفار -:
الإقامة في بلادهم، وعدم الانتقال منها إلى بلد المسلمين؛ لأجل الفرار بالدين؛ لأن الهجرة بهذا المعنى ولهذا الغرض: واجبة على المسلم؛ لأن إقامته في بلاد الكفر تدل على موالاة الكافرين.
ومن هنا حرَّم الله إقامة المسلم بين الكفار إذا كان يقدر على الهجرة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) فلم يعذر الله في الإقامة في بلاد الكفار إلا المستضعفين الذين لا يستطيعون الهجرة، وكذلك من كان في إقامته مصلحة دينية، كالدعوة إلى الله، ونشر الإسلام في بلادهم.
" الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " (ص ٣١٦) .
وانظر – لمزيد فائدة -: أجوبة الأسئلة: (١١٧٩٣) و (١٤٢٣٥) و (٢٧٢١١) .
ثانياً:
أما التشبه بالكفار، فالضابط في هذا التشبه المحرم، هو: "مماثلة الكافرين بشتى أصنافهم، في عقائدهم، أو عباداتهم، أو عاداتهم، أو في أنماط السلوك التي هي من خصائصهم".
" من تشبه بقوم فهو منهم " للشيخ ناصر العقل (ص ٧) .
فيحرم التشبه بغير المسلمين في عقائدهم، وعباداتهم، وما هو من شعائر دينهم، مثل لبس الصليب، أو الاحتفال بالأعياد الدينية.
ويحرم التشبه بغير المسلمين فيما هو من خصائص عاداتهم , كلباس الرهبان، والأحبار، وغير ذلك مما يشبهه.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
فيحرم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم، ومن عاداتهم، وعباداتهم، وسمتهم وأخلاقهم، كحلق اللحى، وإطالة الشوارب، والرطانة بلغتهم إلا عند الحاجة، وفي هيئة اللباس، والأكل، والشرب، وغير ذلك.
" الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " (ص ٣١٦) .
وعليه؛ فالمشي الي يفعله بعض المسلمين تضامناً مع حدثٍ ما، أو مع أشخاص معينين، يُخشى أن يكون من التشبه بالكفار، لأنه ليس له أصل من ديننا، ولا يفعله المسلمون في بلادهم ومجتمعاتهم، ثم إن هذا المشي ليس فيه فائدة تذكر، فهو تضييع للوقت والجهد، مع ما يحصل فيه من الاختلاط والتعرض للفتن ... إلخ.
ثالثاً:
أما التبرع لجمعيات الكفار: ففيها تفصيل بحسب نشاط الجمعية:
أ. فإن كانت جمعية دينية، تدعو إلى دينها، وتفسد عقائد المسلمين، وكان من ضمن أعمالها: إعانة المرضى، والقيام على المشردين، وإيواء العجزة: فلا يجوز التبرع لهم، ولا مساعدتهم بشيء؛ لأن قيامهم بتلك الأعمال داخل في دعوتهم لدينهم، وإفساد عقائد المسلمين، ومثل هذا لا ينبغي الاختلاف فيه؛ لظهور حكمه في الشرع.
ب. وإن كانت جمعية دنيوية، ومن أعمالها ما يساهم في إفساد أخلاق الناس، كالدعوة إلى التعارف بين الرجال والنساء، أو كان من أعمالها القيام بما هو محرَّم في شرعنا، كدعم الإجهاض، وغير ذلك مما يشبهه: فلا يجوز التبرع لهم، ولو كان هناك قسم من أقسامها لعلاج المرضى، وتقديم الأدوية، أو رعاية الأيتام؛ لأن دعم المسلم لها سيكون دعماً لنشاطها، ثم إن المتبرع لا يدري هل ينفقون أمواله في أشياء محرمة، أو في إعانة المرضى.
ج. أن تكون الجمعية خاصة بعلاج المرضى، وليس لها أعمال محرمة، ولا مقاصد تنشر دينها من خلالها: فيجوز التبرع لهم، وإعانتهم على علاج المرضى، وتقديم الأدوية لهم.
والنصيحة للمسلمين الذين اضطروا أو ابتلوا بالإقامة في البلاد الغربية أن تكون لهم جمعياتهم الخاصة بهم، وأن يقدموا من خلالها خدمات للمجتمعات التي يعيشون بينهم، مما هو مباح لهم فعله، وأن يقدموا صورة ناصعة عن الإسلام من خلال تلك الجمعيات، وأن يحرصوا على تحقيق الهدف الأسمى وهو إنقاذ الناس من الكفر، وعلاج قلوبهم من الشك، والشبهة، وهو أولى من علاج أبدانهم، ولو جمعوا بينهما لقدموا خيراً لأنفسهم، ولغيرهم.
وإذا لم يكن هناك جمعية خاصة بالمسلمين في تلك البلاد، وكانت الجمعيات القائمة على ذلك ممن يُخشى إعانتها على الكفر، والفسوق، وشعر المسلمون بحرج من عدم المشاركة في علاج المرضى: فننصح بأن تكون مشاركتهم بتقديم الأدوية، لا المال؛ خشية من استعمال المال في أشياء محرمة، وتحقيقاً لمقصود التبرع.
ويدل على جواز التبرع للكافر: قوله تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/ ٨، وقد استدل بها الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بجواز التبرع للكافر بالدم، كما في جواب السؤال رقم
(١٢٧٢٩) .
وانظر – للمزيد – جواب السؤال رقم (٢٧٥٦) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب