تفسير (فأينما تولوا فثم وجه الله)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تشرح لي معنى الآية الواردة أدناه. إذا كان الله فوق الجنة , فكيف يكون وجه الله أينما تولي وجهك؟ أطرح هذا السؤال لأني كنت أشرح لأحد الأشخاص أن الله فوق الجنة , لكنه استشهد بالآية أدناه؛ ولم أتمكن من الرد عليه.
قال تعالى: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم) البقرة / ١١٥.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب علينا الإيمان بأن الله تعالى فوق العرش مستوٍ على عرشه استواءً يليق بجلاله لا كاستواء البشر.
وأن نؤمن بأن لله وجها لا كوجه المخلوق.
وبهذا يجب ألا نضل عند تفسير الآيات وتأويلها وأن نتَّبع بذلك قول السلف الصالح.
أما تفسير الآية، فقد قال الشيخ ابن عثيمين:
فإن قلت: هل كل ما جاء من كلمة الوجه مضافاً إلى الله يراد به وجه الله الذي هو صفته. الجواب: هذا هو الأصل كما في قوله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} الأنعام / ٥٢، {وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى} الليل / ١٩ – ٢١، وما أشبهها من الآيات.
فالأصل: أن المراد بالوجه وجه الله عز وجل الذي هو صفة من صفاته، لكن هناك آية اختلف المفسرون فيها وهي قوله تعالى: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} البقرة / ١١٥..... فمنهم من قال: إن الوجه بمعنى الجهة لقوله تعالى: {ولكل وجهة هو موليها} البقرة / ١٤٨.
فالمراد بالوجه: الجهة، أي: فثمَّ جهة الله أي فثم الجهة التي يقبل الله صلاتكم إليها.
قالوا: لأنها في حال السفر إذا صلى الإنسان النافلة فإنه يصلي حيث كان وجهه.
ولكن الصحيح أن المراد بالوجه هنا: وجه الله الحقيقي، إلى أي جهة تتجهون فثم وجه الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله محيط بكل شيء، ولأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المصلي إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه، ولهذا نهى أن يبصق أمام وجهه؛ لأن الله قِبَل وجهه فإذا صليت في مكان لا تدري أين القبلة واجتهدت وتحريت وصليت وصارت القبلة في الواقع خلفك فالله يكون قبل وجهه حتى في هذه الحالة.
وهذا معنى صحيح موافق لظاهر الآية والمعنى الأول لا يخالفه في الواقع.
وحينئذ يكون المعنيان لا يتنافيان.
واعلم أن هذا الوجه العظيم الموصوف بالجلال والإكرام وجه لا يمكن الإحاطة به وصفاً، ولا يمكن الإحاطة به تصوراً، بل كل شيء تُقَدره فإن الله تعالى فوق ذلك وأعظم. {ولا يحيطون به علماً} طه /١١٠.
وأما قوله تعالى: {كل شيءٍ هالكٌ إلا وجهه} القصص / ٨٨، فالمعنى: " كل شيء هالك إلا ذاته المتصفة بالوجه " شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين (١ / ٢٤٣ – ٢٤٥)
ونحن يجب علينا ألا نقيس الخالق بالمخلوق فنصفه بصفة المخلوق، فإن الله تعالى كما قال عن نفسه: (ليس كمثله شيء) الشورى / ١١.
فالله تعالى مستوٍ على عرشه، وهو قِبل وجه المصلي ولا منافاة بينهما في حق الله تعالى.
وقد أشكل مثل هذا على بعض الناس في مسألة نزول الله تعالى في النصف الآخر من الليل إلى السماء الدنيا، فقالوا: إن الليل غير متحد على الأرض فكيف ينزل الله في ليل ونهار معا.
قال الشيخ ابن عثيمين:
جاء المتأخرون الذين عرفوا أن الأرض كروية وأن الشمس تدور على الأرض.
قالوا: كيف ينزل في ثلث الليل، وثلث الليل إذا انتقل عن المملكة العربية السعودية ذهب إلى أوروبا وما قاربها؟ فنقول: أنتم الآن قستم صفات الله بصفات المخلوقين، أنت أو من أول بأن الله ينزل في وقت معين وإذا آمنت ليس عليك شيء وراء ذلك، لا تقل كيف وكيف؟ .
فقل: إذا كان ثلث الليل في السعودية فإن الله نازل وإذا كان في أمريكا ثلث الليل يكون نزول الله أيضاً.
إذاً موقفنا أن نقول أنا نؤمن بما وصل إلينا عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم. بأن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى الثلث الآخر من الليل ويقول من يدعوني، فأستجيب له ومن يسألني؟ فأعطيه من يستغفرني فأغفر له.
" شرح الواسطية " (٢ / ٤٣٧) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب