لبس القصير والضيق للأولاد بين أمر الزوج واعتراض الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ارتداء الشورت للأولاد الذين قاربوا سن البلوغ؟ وماذا أفعل إذا رفضت ابنتي ارتداء الحجاب والعباءة؟ وماذا أفعل مع زوجي؟ فهو رجل متشدد وأعاني منه كثيرًا، وهو يرغب في أن يجنب أبناءنا كل ما هو حرام حتى وإن كان يفعله هو، فما السبيل في هذا العالم فجميع من يتبع الإسلام هذه الأيام يتشدد في كل شيء، وكيف لي في ظل كل ما أتعرض له من مشكلات وأوقات عصيبة أن أتعلم الإسلام؟ يقولون لا يجوز معصية الزوج، فماذا أفعل إن كنت لا أثق في قدر علمه كي أتبع ما يقوله لي؟ فما الحل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن السفن التي تعبر المحيطات، وتحمل على ظهرها بضع أشخاص لا يمكن أن تسير إلا بقيادة توجهها، وتقودها، حتى تصل بركابها إلى برِّ الأمان، والأسرة المسلمة الآن سفينة في محيط هائج مائج من الفتن والمهلكات، وقد اجتمع أعداء الدين لإضعاف الأسرة المسلمة، بل لقتلها، وقد استخدموا كل الوسائل الممكنة من أجل ذلك، فهذه المؤتمرات العالمية تنتقل من بلد إلى آخر، وتسير بانتظام، وبقيادات عالمية، وكل همها إتلاف الأسرة المسلمة، وتفكيك ترابطها، ونزع حيائها، وقتل عفافها، وهذه القنوات الفضائية تعمل عملها السيء في الأسرة المسلمة، وتلك الصحف السيارة، وغيرها من وسائل الإعلام، كلها تؤدي غرضاً واحداً لا يخفى على متابعها ومترصدها.
وفي ظل هذه الأمواج المتلاطمة تسير سفينة الأسرة المسلمة، وإن لم يكن لها قائد عاقل حكيم فإنها ستتحطم وتكون ركاماً.
ورب الأسرة هو القائد لتلك السفينة، ولا نلوم أباً يخاف على أهله وذريته من الفتن والفساد، فقد أضحت هذه المفسدات أكثر وأقوى من أن يصدها رب الأسرة وحده، فكيف إذا انضاف لذلك عدم معاونة زوجته له في تلك القيادة، بل فكيف يكون الحال لو كانت تقف ضده فيما يحاول النجاة بتلك الأسرة من تلك الفتن والمفسدات؟! .
فاعلمي – أختنا السائلة – أن الأمر ليس بالهين، وأنه يجب عليك أن تكوني خير معين لزوجك فيما يصلح من أفراد أسرتكم، وإنه حتى لو لم تكوني مقتنعة فيما يصدره من أحكام وقرارات لا ينبغي لك أن تقفي في وجهه، وأن تخالفيه، وخاصة إن كان ذلك منك أمام أولادكم؛ فإن أثر هذا سيء للغاية على تربية أولادكم.
وما يريده الأب من أفراد أسرته لا يخلو من شيء فيه نص من الشرع يأمره به، أو شيء يراه في مصلحة أولاده فيأمر به لما فيه صلاحهم، أو يمنع منه لما فيه فسادهم، وإن كان ثمة مجال لمناقشته في الأمر الثاني: فليس ثمة مجال في الأول؛ لأن الشرع حاكم على تصرفاتنا جميعاً، وليس لنا الخيرة في عدم قبوله، وتنفيذه.
ثانياً:
اعلمي أيتها الأخت السائلة أن الله تعالى أمركِ وزوجك أن تقوا أنفسكم ناره، وكذا أن تقوا أولادكم، فالأمر ليس بالهين، بل هو جد خطير، وليس زوجك المسئول وحده عن رعيته، بل وأنت كذلك مسئولة مثله.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/ ٦.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) .
رواه البخاري (٨٥٣) ومسلم (١٨٢٩) .
واعلمي أن تربيتهم لا تكون بالقسوة الشديدة، ولا بالإهمال.
فقد سئل علماء اللجنة الدائمة: ما هي الطريقة الناجحة للأبوين في تربية أولادهما؟
فأجابوا: " الطريقة الناجحة في تربية الأولاد هي: الطريقة الوسط، التي لا إفراط فيها، ولا تفريط، فلا يكون فيها عنف وشدة، ولا يكون فيها إهمال ولا مبالاة، فيربي الأب أولاده، ويعلمهم، ويوجههم، ويرشدهم للأخلاق الفاضلة، والآداب الحسنة، وينهاهم عن كل خلق ذميم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (٢٥ / ٢٩٠ , ٢٩١) .
ثالثاً:
اعلمي أن الشرع الحكيم يأمركم أن تعلموا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع سنين، ويأمركم أن تفرقوا بينهم في المضاجع وهم أبناء عشر سنين، وهذا من أجل تنشئتهم خير تنشئة، ومن أجل صلاحهم في مستقبل الأيام، وهم وإن كانوا غير مكلفين – لأنهم دون البلوغ – إلا أن هذا لا يمنع أن يؤمر أولياؤهم، وأهليهم بما فيه صلاحهم، فالأمر هنا لكم لا لهم، والأمر هنا فيه خير لهم ولكم.
ومثل هذا تنشئتهم على حسن المعاملة، وحسن الخلق عموماً، وعلى الحياء، والعفاف، خصوصاً، ويدخل في ذلك الأمر لهم بحفظ العورة، وعدم لبس الضيِّق والقصير من الثياب، فهو من جهة فيه تربية لهم على الحياء والعفاف، ومن جهة أخرى فيه منع لتأجيج الشهوة والتفطين للسوء عند من يراهم، سواء من أهل بيتهم، أو من غيرهم من أقربائهم – مثلاً -، ولا يمكن للشريعة المطهرة أن تأمركم بالتفريق بينهم في المضاجع ثم تجيز لكم تمكينهم من لبس القصير والضيِّق طوال استيقاظهم! فتفطني لعلة الأمر، وكوني حذرة أن تتسببي في فتنة وفساد لا يكفيه ماء البحر دموعاً، ولا الفضاء الرحب أسىً وحسرةً.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: كثيراً ما نرى في مجالس النساء: الفتيان، والفتيات الصغار، ذوي السبع سنوات، أو نحوها، وهم يرتدون الملابس القصيرة، أو الضيقة، أو بقصات غريبة، أو قصات للفتيات الصغيرات تشبه قصات الأطفال الذكور، فإذا تكلمنا مع الأم ونصحناها: احتجت بأنهم مازالوا صغاراً، فنرجو من فضيلتكم التكرم بالبيان الشافي لقضية لباس الأطفال، وقص شعورهم، وبارك الله فيكم.
فأجاب: " من المعلوم أن الإنسان يتأثر بالشيء في صغره، ويبقى متأثراً به بعد الكبَر، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نأمر الصبيان بالصلاة لسبع سنين، ونضربهم عليها لعشر؛ ليتعودوا، والطفل على ما اعتاد، فإذا اعتادت الطفلة الصغيرة أن تلبس القصير الذي يصل إلى الركبة، والقصير الذي يصل إلى العضد أو الكتف: ذهب عنها الحياء، واستساغت هذه الملابس بعد كبرها، كذلك بالنسبة للشعر، فالمرأة لا بد أن يكون لها شعر يتميز عن شعر الرجال، فإن جعلت شعرها كشعر الرجال: فقد تشبهت بهم، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال.
وليُعلَم أن الأهل مسئولون عن هؤلاء الصبيان، وعن توجيههم، وتربيتهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته) فالحذر الحذر من الإهمال، وليكن الإنسان جادّاً في توجيه أبنائه، وبناته، حريصاً عليهم، حتى يصلحهم الله تبارك وتعالى، ويكونوا قرة عين له " انتهى.
" اللقاء الشهري " (٦٦ / ١٠) .
رابعاً:
إذا تربَّت البنت منذ صغرها على الحياء والعفاف والستر: كانت هي الراغبة في العباءة والخمار حتى قبل بلوغها، وإذا كبرت ولم تلبس الساتر من الثياب، مع تقصير الأهل في صغرها: فإن عليهم مداومة النصح والإرشاد والتذكير، فإذا لم ينفع ذلك فليستعمل أسلوب الشدة قليلاً، ولتمنع من رغباتها، حتى لا يترك لها المجال لتصنع ما تشاء في هذا وفي غيره؛ لأنكم إن سكتم عن لباسها لأنها ترفض ليس العباءة، أو الساتر من الثياب: فإنها ستتجرأ على أشياء أخرى تفعلها، وهذا علامة على قرب غرق السفينة! حيث جعلت القرارات بيد الأطفال! ونؤكد على البداية باللين والرفق، وعدم اليأس من صلاحها، ولا تستعمل الشدة القاسية إلا حيث يرى ذلك قائد السفينة العاقل.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: إلى أي سن يجب على الفتاة أن تلبس الحجاب، وهل يجب أن نفرضه على التلميذات، ولو كرهن ذلك؟ .
فأجابوا: " إذا بلغت البنت: وجب عليها أن تلبس ما يستر عورتها، ومنها: الوجه، والرأس، والكفان، سواء كانت تلميذة أم لا، وعلى ولي أمرها أن يلزمها بذلك لو كرهت، وينبغي له أن يمرنها على ذلك قبل البلوغ حتى تتعوده، ويكون من السهل عليها الامتثال.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ عبد الله بن قعود " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (١٧ / ٢١٩ , ٢٢٠) .
فكوني خير معين لزوجك على طاعة الله وتربية أولادكم، واحذري من مجاراة أعداء الإسلام في وصف التمسك بالشرع بالتشدد، وما يقصِّر به زوجك في خاصة نفسه: انصحيه، وعظيه، وخوفيه بالله رب العالمين، ولا تجعلي تقصيره مسوِّغاً لتقصير أولادكم، واستعيني بالله ربكم على أداء الأمانة على أكمل وجهها، ونسأل الله تعالى أن يوفقكم لما فيه رضاه.
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم: (١٠٠١٦) كيف يربي أبناءه على الصلاح.
وفي جواب السؤال رقم: (١٠٢١١) بينَّا الطريقة الصحيحة لتعليم الصغار ودعوتهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب