الخلع لا يعتبر طلاقا ولو كان بلفظ الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[ي يتعلق بالخلع، فقد خلعت نفسي من زوجي أمام احد الشيوخ وشاهدين، ثم بعد ستة أشهر قررنا أن نعود إلى بعض وبعقد نكاح جديد. ثم بعد سنتين من ذلك طلبت الخلع مجددا وحصلت عليه فعلاً. بعد أخذ ورد وعدني أنه سيحسن معاملتي وانه يجب أن نعود إلى بعض من أجل الطفل الذي بيننا. سؤالي: هل يعتبر الخلع طلاقاً، وهل يعني ذلك انه بقي لي طلقة واحدة فقط؟ وهل يجوز لنا أن نعود إلى بعض من جديد؟ وكيف نرجع إلى بعض، هل بعقد نكاح جديد؟ أرجوا النصح والتوجيه، وفي حال أردتم أن تعرفوا أي شيء آخر ارجوا إعلامي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الخلع لا يعتبر طلاقا، ولو كان بلفظ الطلاق، على الراجح.
وبيان ذلك كما يلي:
١- الخلع إذا لم يكن بلفظ الطلاق، ولم ينو به الطلاق، فهو فسخ عند جماعة من أهل العلم، وهو قول الشافعي في مذهبه القديم، والمذهب عند الحنابلة، ويترتب على كونه فسخا أنه لا يحسب من الطلاق، فمن خالع زوجته مرتين، فله أن يرجع إليها بعقد جيد، ولا يحسب عليه شيء من الطلاق.
ومثال ذلك: أن يقول الزوج: خالعت زوجتي على كذا من المال، أو فسخت نكاحها على كذا.
٢- وأما إذا كان الخلع بلفظ الطلاق، كقوله: طلقت زوجتي على مال قدره كذا، فإنه يكون طلاقا في قول جماهير أهل العلم. وينظر: "الموسوعة الفقهية" (١٩/٢٣٧) .
وذهب بعضهم إلى أنه يكون فسخاً أيضاً، ولا يحسب من الطلاق ولو كان بلفظ الطلاق، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: إنه المنصوص عن الإمام أحمد وقدماء أصحابه.
وينظر: "الإنصاف" (٨/٣٩٣) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولكن القول الراجح: أنه [يعني: الخلع] ليس بطلاق وإن وقع بلفظ [الطلاق] الصريح، ويدل لهذا القرآن الكريم، قال الله عز وجل: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) البقرة/٢٢٩، أي: في المرتين، إما أن تمسك وإما أن تسرح، فالأمر بيدك (وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) البقرة/٢٢٩، إذاً هذا فراق يعتبر فداء، ثم قال الله عز وجل: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) البقرة/٢٣٠، فلو أننا حسبنا الخلع طلاقا لكان قوله: (فَإِنْ طَلَّقَهَا) هي الطلقة الرابعة، وهذا خلاف الإجماع، فقوله: (فَإِنْ طَلَّقَهَا) أي: الثالثة (فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) والدلالة في الآية واضحة، ولهذا ذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى أن كل فراق فيه عوض فهو خلع وليس بطلاق، حتى لو وقع بلفظ الطلاق، وهذا هو القول الراجح " انتهى من "الشرح الممتع" (١٢/٤٦٧- ٤٧٠) .
وقال رحمه الله: " فكل لفظ يدل على الفراق بالعوض فهو خلع، حتى لو وقع بلفظ الطلاق، بأن قال مثلا: طلقت زوجتي على عوض قدره ألف ريال، فنقول: هذا خلع، وهذا هو المروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن كل ما دخل فيه العوض فليس بطلاق، قال عبد الله ابن الإمام أحمد: كان أبي يرى في الخلع ما يراه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أي: أنه فسخٌ بأي لفظ كان، ولا يحسب من الطلاق.
ويترتب على هذا مسألة مهمة، لو طلق الإنسان زوجته مرتين متفرقتين، ثم حصل الخلع بلفظ الطلاق، فعلى قول من يرى أن الخلع بلفظ الطلاق طلاق تكون بانت منه، لا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجا غيره، وعلى قول من يرى أن الخلع فسخ ولو بلفظ الطلاق، تحل له بعقد جديد حتى في العدة، وهذا القول هو الراجح. لكن مع ذلك ننصح من يكتبون المخالعة أن لا يقولوا طلق زوجته على عوض قدره كذا وكذا، بل يقولوا: خالع زوجته على عوض قدره كذا وكذا؛ لأن أكثر الحكام (القضاة) عندنا وأظن حتى عند غيرنا يرون أن الخلع إذا وقع بلفظ الطلاق صار طلاقا، ويكون في هذا ضرر على المرأة، فإن كانت الطلقة الأخيرة فقد بانت، وإن كانت غير الأخيرة حسبت عليه " انتهى من الشرح الممتع (١٢/٤٥٠) .
وبناء على ذلك؛ فإن أردت الرجوع إلى زوجك، فلابد من عقد جديد، ولا يحسب عليكما شيء من الطلاق.
والله أعم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب