للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

معاناة طبيب يضطر إلى فحص المريضات والكشف عليهن

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا طالب بالسنة الخامسة بكلية طب جامعة القاهرة أصابني تيه شديد وتخبط. أنت تعرف حال الطب في كل مكان وما ينطوي عليه من مخالفات جسيمة أساسها ومنشؤها الاختلاط وعدم وضوح وتطبيق الضوابط الشرعية ونقطتي هي: إذا كان الطبيب ليس مخيرا في أن يكشف على المريضة من عدمه ... حيث إن رفضه يعتبر تجاوزا إداريا حتى وإن كانت الحالة لا تستدعي السرعة في اتخاذ القرار أو أي شبهة للاضطرار فهل يكشف ويفحص على كل من تدخل إليه حيث إن هذا عمله....؟ هذه الأولى وهي شرعية فقهية بالمقام الأول وقد تجيب علي فيها بتوضيح الضوابط الشرعية...... ولكن أريد هنا أن أسأل سؤالا وهذه النقطة قلبية إيمانية:يا شيخ إذا تكرر مني فحص المريضات- ولو بالضوابط- ولنقل مثلا خمس أو سبع حالات في اليوم في أي تخصص كان (باطنية-صدرية-عظام-قلب وغيره) فالكل يتضمن كشفا -فهل تكرار الكشف وان كان بضوابط شرعية....سيؤدي تبعا للتساهل فيما بعد حيث إن كثرة المساس تفقد الإحساس وأن من رأى كتفا أو ظهرا أو بطنا أو فخذا فانه يقينا بعد فترة لن يبالي إن وقعت عيناه على وجهها أو يدها-مع انتفاء الحاجة- ومع تكرار الأمر وطول السنين سيصبح الأمر عادة ومألوفاَ وخصوصا أن هناك دائما ممرضة معينة لكل طبيب تساعده في كشفه ومقرها داخل العيادة دوما فان قلنا انه سيغض بصره عن المريضة فكيف بممرضة ملازمة ولا تسأل عن الحجاب في مصر فالأمر على العلن وأبين من أن أقول فيه شيئا..والذي جعلني أفكر في هذا أني وجدت في كثير من المستشفيات إخوة ملتزمين يكلمون الممرضات هكذا وجها لوجه وربما ضاحكها والظاهر انه ملتزم وتكرر هذا الأمر أمامي فقلت لنفسي إنه الاعتياد والمعاشرة جعلته يألف ويتغافل فخفت أن أصل لهذا لأني بشر وأعتاد وآلف كما يألف البشر فقد وجدت نفسي بعد أربعة سنين في الكلية أن الإنكار الذي كان بقلبي خفتت حدته بعد أن كنت أجد ضيقا شديدا إذا اضطررت أن اجلس في قاعة مختلطة أو إذا تجاور مقعدي ومقعد فتاة عن غير عمد أو إذا سمعت ضحكات ومزاحا ماجنا ... أجد نفسي الآن وقد خف الأمر كثيرا وأقسم ومع ذلك فأنا في سقوط عجزت عن قيام الليل وسقطت النوافل والذكر والصدقة ولم يبق إلا صورة اللحية وصلوات مفروضة أنا فيها كالحاضر الغائب ... أبعد كل ذلك سيكون هناك اختلاط أشد وتعامل أقرب وتواصل غير مراقب وما أكد لي أن من سبقوني ممن هم أكبر مني سنا وهم إخوة ملتزمون أصبح الأمر عندهم مسلما به أن يكلم الممرضة وينظر إليها على ما تلبسه ويخاطب المريضة وينظر إليها حتى قبل أو بعد الفحص وقد حرمت عليه كل نظرة خلا الفحص.....وأسألك بالله أن لا تقول لي الرد المعهود: أنتركها لليهود والنصارى؟ طيب وهل أنا مسئول عن وضع لم أصنعه وليس بيدي تغييره ... احترت والله ما أدري ما أفعل وهل إذا سرت في هذا الأمر هل سيصلح قلبي لمعاملة الله وأنا أنظر للنساء بهذه الكيفية-يا شيخ أقسم بالله ثم أقسم بالله أن الشهوة ليست هي محركي للكتابة إليك ولكن خوفي من أن أقع فيما يزيدني عن الله بعدا كمن يربأ بنفسه عن مجلس الغيبة مثلا لم يدفعه إلا أنه لا يريد أن يغضب الله- وقد أصبحت نفسي مصدودة بشدة عن الدراسة فما أدري أسوف أتركها وأضيع كل تلك السنوات أم سوف أكمل وأقبل الأمر كما هو ... ويغيظني أن هناك ملايين سبقتني وما أنا بأتقاهم ولا أخوفهم لله ولا أورعهم فلم لم أسمع ذلك عن أحد منهم وهل أنا أضخم الموضوع وأعطيه أكبر من حجمه؟ بالله عليك هي استشارة واستدلال على ما يرضي الله مني فإن علمته فقل هذا هو ما يرضي الله فافعله ولو كان في ترك الكلية أو الثانية وهي الأصعب على نفسي وألخص لك استفساري:, هل يجوز لي أن أكشف على كل مريضة تدخل حتى إذا أردت أنا الامتناع أو كانت هي لا تريد وليس من حقها رفض الطبيب والآخر: أنا خائف من أن يضمحل إنكار المنكر في قلبي شديدا وأعتاده وآلفه حيث إنه لا سبيل إلى تفاديه-أنا لم أقصد خوف شهوة في المقام الأول وإن كان واردا_]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

الاختلاط المستهتر بين الرجال والنساء أصل كل فساد خلقي في المجتمعات، ومن الأسباب الرئيسية لانتشار الفساد والرذيلة.

قال شيخ الإسلام رحمه الله:

"فالرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار والحطب" انتهى.

"الاستقامة" (١/٣٦١) .

وقال ابن القيم رحمه الله:

"ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة" انتهى.

"الطرق الحكمية" (ص ٤٠٨) .

ومن أعظم صور الاختلاط الفاحش المعلن بالرذيلة: اختلاط الطلبة والطالبات في المدارس والجامعات؛ حيث يتسنى للجنسين التباحث والتحادث والنظر والمضاحكات وسائر الإسفافات.

قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "اختلاط الرجال والنساء في التعليم حرام ومنكر عظيم؛ لما فيه من الفتنة وانتشار الفساد وانتهاك المحرمات" انتهى.

"فتاوى اللجنة الدائمة" (١٢/١٨١-١٨٢) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

"الاختلاط في المدارس والجامعات والمعاهد أخطر من الاختلاط في الأسواق؛ وذلك لأن الرجل والمرأة يجلسان مدة طويلة للاستماع إلى الدرس ويخرجان جميعاً إلى أسياب المدرسة أو المعهد أو الكلية فالخطر فيه أشد، فنسأل الله أن يحمي شعوب المسلمين من كل سوء ومكروه" انتهى.

"فتاوى نور على الدرب" (١٢/٨٣) .

والواجب على المسئولين تخصيص دور للتعليم للطلاب، وكذا الطالبات، منعا لهذا الفساد أن ينتشر ويستشري في المجتمعات.

قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:

"فعلى ولاة الأمور أن يخصصوا للطلاب معاهد ومدارس وكليات وكذا الطالبات، محافظة على الدين، ومنعا لانتهاك الحرمات والأعراض والفوضى في الحياة الجنسية وبذلك يتمكن ذوو الغيرة والدين من الانتظام في سلك التعليم والتعلم دون حرج أو مضايقات. وإذا لم يقم ولاة الأمور بواجبهم، ولم يتم فصل الذكور عن الإناث في دور التعليم، ولا الأخذ على أيدي الكاسيات العاريات لم يجز الانضمام في سلك هؤلاء إلا إذا رأى الشخص من نفسه القدرة على تقليل المنكر، وتخفيف الشر ببذل النصح والتعاون في ذلك مع أمثاله من الزملاء والأساتذة، وأمن على نفسه من الفتنة" انتهى. .

"فتاوى إسلامية" (٣/١٢٩) .

ثانياً:

قولك: إذا كان الطبيب ليس مخيرا في أن يكشف على المريضة من عدمه ... حيث إن رفضه يعتبر تجاوزا إداريا حتى وإن كانت الحالة لا تستدعي السرعة في اتخاذ القرار أو أي شبهة للاضطرار فهل يكشف ويفحص على كل من تدخل إليه حيث إن هذا عمله....؟

فالجواب:

لا يجوز للطبيب الرجل أن يعالج المرأة إلا عند الاضطرار كتعذر وجود طبيبة، وعليه: فعلى الطبيب المسلم أن يراعي ذلك ما أمكن، فإن تعذر عليه ذلك، واضطر إلى الكشف، جاز له أن يكشف، بشرط انتفاء الخلوة المحرمة أو الشهوة.

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: نحن مجموعة أطباء نعمل في الرياض، ويكون علينا مناوبات يكون فيها مرضى ذكور وإناث، وأحيانا تشتكي المريضة وتكون الشكوى مثلا الصداع أو وجع في البطن، ويقتضي العمل الطبي حتى يكون تاما أن يتم الفحص: يقتضي أخذ المعلومات عن سبب الصداع، يقتضي أن يفحص البطن أو الرأس أو غيرها حتى لا يكون عليه مسئولية، ولو لم يكن من فحص قد لا تتضرر المريضة كثيرا، يعني هناك مجال للتهرب منها، لكن حتى يقيم الحالة تقييما تاما يقتضي أن يفحص.

فأجاب:

"الواجب على إدارة المستشفى أن تلاحظ هذا وأن تجعل المناوبة بين الرجال والنساء حتى إذا احتاج النساء المرضى أن يُعالجن أو يفحصن أُرسل إليهن النساء، فإذا لم تقم الإدارة بهذا الواجب عليها ولم تبال فأنتم لا حرج أن تفحصوا النساء، لكن بشرط ألا يكون هناك خلوة أو شهوة، وأيضا يكون هناك حاجة إلى الفحص، فإن لم يكن حاجة وأمكن تأخير الفحص الدقيق إلى وقت تحضر فيه النساء فأخروه، وإذا كان لا يمكن فهذه حاجة ولا بأس بها" انتهى. "لقاءات الباب المفتوح" (١/٢٠٦) .

ثالثاً:

أما عن تكرر فحص المريضات يوميا، فهو أمر جالب لبلادة الحس وموت الشعور.

ولا شك أن الإشفاق من مثل ذلك من الإيمان.

غير أن هاهنا أمرا لا بد من مراعاته: وهو أنك يا أخي في السنة الأخيرة بالنسبة لدراستك، فتصبر واستعن بالله تعالى حتى تنهي دراستك وحاول بقدر ما تستطيع أن تبتعد عن هذه القبائح التي لا ضرورة إليها.

أما ترك الكلية، وإنهاء ادراسة فلا ننصح به، وحيث إنك عانيت مدة سنين مضت هذه المعاناة، واحتملتها وأنت كاره لها، فلتكمل مشوار الدراسة بنفس المعاناة، صابرا محتسبا، مراقبا لربك في كل ما تقول وتفعل، فإنه لم يبق لك على الانتهاء سوى أشهر قلائل، ثم تنفرد بأمرك، وتختار لنفسك، دون أن يرغمك أحد على سوء الاختيار.

ولترك الدراسة مفاسد كثيرة، مما يخصك شخصيا، ويخص أهل بيتك، ومن يحبك من إخوانك وأقاربك.

رابعاً:

أما التحادث مع الممرضات، والخلوة بهن، والنظر إليهن بغير حاجة، فضلا عن ممازحتهن، فلا يجوز، وحصول هذا ممن ظاهره يدل على الديانة؛ يدل على مرض القلب، وعدم سلامته.

وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:

أنا طبيب في غرفة الكشف ترافقني ممرضة في نفس الغرفة , وحتى يحضر مريض يحصل بيننا حديث في أمور شتى , فما هو رأي الشرع في هذا؟

فأجاب:

"لا يجوز لك الخلوة بالمرأة , ولا يجوز أن يخلو ممرض أو طبيب بممرضة أو طبيبة , لا في غرفة الكشف , ولا في غيرها , لما يفضي إليه ذلك من الفتنة إلا من رحم الله , ويجب أن يكون الكشف على الرجال للرجال وحدهم , وعلى النساء للنساء وحدهن" انتهى.

"مجموع فتاوى ابن باز" (٩/٤٣١) .

ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال رقم: (٦٩٨٥٩) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>