للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذكر اللَّه باسمه المفرد

[السُّؤَالُ]

ـ[سمعت أحد طلاب العلم يذكر بدع الصوفية، فذكر من بينها ذكرهم الله بالاسم المفرد، وأن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه الكرام، ولكن ألم يقل رسول الله في الحديث الذي لا أذكر نصه، ولكن معناه أنه لن تقوم الساعة على عبد يقول الله الله، وهذا ذكر لله بالاسم المفرد، ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في مقام مدح لقائله، حيث استثناه من شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد للَّه

أولا:

ذكر الله بالاسم المفرد، بأن يقتصر الذاكر على لفظ الجلالة فيقول: الله، الله، الله، من بدع الأذكار التي أحدثها الجهال من المتصوفة ومن وافقهم، لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة.

وقد سبق في موقعنا تقرير ذلك بشكل مفصل في جواب السؤال رقم: (٩٣٨٩) ، (٢٦٨٦٧)

ثانيا:

أما ما يستدل به البعض على مشروعية هذا الذكر، فهي شبهات ساقطة لا تدل على مشروعية هذا النوع من الذكر أبدا، ومن هذه الأدلة:

ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ) رواه مسلم (١٤٨)

وليس في الحديث دليل على الذكر بالاسم المفرد، وذلك من وجوه:

١- أن بعض الرويات جاء فيها: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّه)

وهي رواية أحمد في "المسند" (٣/٢٦٨) ، وابن حبان في صحيحه (١٥/٢٦٢) والحاكم (٤/٥٤٠) بل هي إحدى روايات مسلم كما نقله القاضي عياض من رواية ابن أبي جعفر. انظر النووي في "شرح مسلم" (٢/١٧٨)

فهذه الرواية تفسر الرواية الأولى، فيكون المعنى: لا تقوم الساعة على الموحدين الذين يقولون: لا إله إلا الله.

٢- لا يجوز أن يكون المراد بالحديث: أن الساعة لا تقوم على من يذكر الله باسمه المفرد، وتقوم على من يذكرون بغير ذلك، فإن غاية ما يُزعم هو استحباب الذكر بالاسم المفرد، وليس فرضيته، فكيف يكون مدار النجاة من هول قيام الساعة على أمر مستحب؟! .

٣- ثم إن اللغة العربية لا تسعف من يريد أن يستدل به، لأن الاسم المفرد لا يفيد معنى تاما، وذكر الله تعالى لا بد أن يحمل معنى الثناء عليه بشيء من صفاته.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (١٠/٥٦٤) :

" اتفق أهل العلم بلغة العرب وسائر اللغات على أن الاسم وحده لا يحسن السكوت عليه، ولا هو جملة تامة ولا كلاما مفيدا " انتهى.

٤- أن الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين ومن تبعهم، لم يفهموا من هذا الحديث استحباب الذكر بالاسم المفرد، ولم يرد عن أحد منهم أنه استنبط ذلك من هذا الحديث، وهذا دليل كاف على بطلان هذا الاستدلال.

٥- ثم تواردت أقوال العلماء في تفسير الحديث، ولم يرد عن أحد منهم الاستدلال به على الذكر بالاسم المفرد.

يقول النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (٢/١٧٨) :

" (يقول الله الله) : هو برفع اسم الله تعالى، وقد يغلط فيه بعض الناس فلا يرفعه " انتهى.

ويقول الطيبي كما في "تحفة الأحوذي" (٦/٣٧٥) :

" معنى (حتى لا يقال) حتى لا يذكر اسم الله ولا يعبد " انتهى.

ويقول المناوي في "فيض القدير" (٦/٤١٧) :

" وليس المراد أن لا يتلفظ بهذه الكلمة، بل أنه لا يذكر الله ذكرا حقيقيا، فكأنه لا تقوم الساعة وفي الأرض إنسان كامل، أو التكرار كناية عن أن لا يقع إنكار قلبي على منكر؛ لأن من أنكر منكرا يقول عادة متعجبا من قبحه " الله الله " فالمعنى: لا تقوم الساعة حتى لا يبقى من ينكر المنكر " انتهى.

ويقول الشيخ الألباني رحمه الله في "فتاوى جدة" (الشريط رقم/٦/الدقيقة ٦٠) :

" هذا لا يعني أن المسلم يجلس يذكر الله بالاسم المفرد، فيقول مائة مرة "الله الله الله" كما يفعلون في كثير من الطرق، وتفسيره في رواية الإمام أحمد في "المسند" (لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول: لا إله إلا الله)

فإذًا اللفظ المفرد في الرواية الأولى كنايةٌ عن التوحيد، ومعنى ذلك أنه لا تقوم الساعة على وجه الأرض من يعبد الله.

هذا قد جاء صريحا في حديث ابن سمعان في صحيح مسلم، وفيه أن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يقيم الساعة أرسل ريحا طيبة فيقبض روح كل مؤمن، فلا يبقى على وجه الأرض إلا شرار الخلق، وعليهم تقوم الساعة.

وليس في هذا الذكر أكثر من أنه مستحب، فهل لا تقوم الساعة إلا على من ترك المستحب، يعني إذا استمر المسلمون يقومون بكل واجباتهم وعقائدهم الصحيحة، لكنه أخل بهذا الأمر المستحب، فعليهم تقوم الساعة!؟ " انتهى.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>