حياة الجن ومساكنهم
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت جوابك عن الجن في السؤال رقم (٢٣٤٠) .
أرجو أن توضح أكثر عن حياة الجن ومساكنهم وأطفالهم وحياتهم العائلية وصلاتهم، هل هي كصلاتنا؟ دفنهم بعد الموت، هل الأشياء الحلال والمحرمة تنطبق عليهم؟ هل يتحاربون مثل بني البشر؟ هل لهم تصنيفات كالبشر؛ أسود، أوروبي، من هذا البلد أو ذاك؟ هل يتأثرون بالأشياء الطبيعية كالمطر والعواصف والزلازل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الجن خلق من خلق الله تعالى، وهم عباد مكلفون بالأوامر والنواهي، كالبشر، فمنهم المؤمن والكافر والفاسق، ومحسنهم يدخل الجنة، ومسيئهم يستحق العذاب، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذريات/٥٦.
وقال تعالى عن الجن: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً) الجن/١١.
وقال أيضاً: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) الجن/١٤، ١٥.
أما تكليفهم بالأوامر والنواهي، فقد اتفق العلماء على أنهم مكلفون، وذهب بعض العلماء إلى أن التكاليف التي أمروا بها كالتي أمر بها البشر سواء بسواء، وذهب آخرون إلى أن تكاليفهم تناسب قدرتهم وطاقته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فهم مأمورون بالأصول والفروع بحسبهم، فإنهم ليسوا مماثلين الإنس في الحد والحقيقة، فلا يكون ما أمروا به ونهوا عنه مساوياً لما على الإنس في الحد، لكنهم مشاركون الإنس في جنس التكليف، بالأمر والنهي، والتحليل والتحريم، وهذا ما لم أعلم فيه نزاعا بين المسلمين " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (٤/٢٣٣) .
وأما ما يتعلق بحياتهم ومساكنهم، فهم كبقية المخلوقات لهم حياتهم الخاصة بهم، ويتزوجون ويتناسلون، قال تعالى عن إبليس: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُو) الكهف/٥٠.
وأما مساكنهم فيكثر تجمعهم في الخراب ومواضع النجاسات كالحمامات والمزابل، قال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْخَلاءَ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ) رواه أبو داود (٦) وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (١٠٧٠) .
(الْحُشُوشَ) هي أماكن قضاء الحاجة.
(مُحْتَضَرَةٌ) أي تحضرها الشياطين.
(الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ) قيل: أي ذكران الشياطين وإناثهم. وقيل: المراد بالخبث الشر، وبالخبائث النفوس الخبيثة، فيشمل ذكران الشياطين وإناثهم.
والجن لا شك يموتون، فهم داخلون تحت قوله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) الرحمن/٢٦.
وينبغي أن يعلم أن عالم الجن من عالم الغيب، لا نعلم عنه إلا ما أعلمنا الله تعالى عنه، في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا فلا نستطيع أن نتكلم عنهم بشيء إلا بما ورد في النصوص الشرعية، وما عدا ذلك يبقى خافياً علينا، قال تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) الإسراء/٣٦.
وللتوسع في هذا الموضوع يراجع كتاب "عالم الجن والشياطين" للدكتور عمر سليمان الأشقر.
ثانياً:
ينبغي أن يعلم أن الله تعالى أخبرنا عن الجن أو غيرهم من المخلوقات بما ينفعنا، وما كتمه عنا فلا حاجة لنا في معرفته، ولو كانت معرفته ضرورية لنا لأخبرنا الله تعالى به، ولذلك ينبغي عدم التكلف في مثل هذه المسائل، والبحث عن غوامضها التي لا تعلم إلا بالوحي.
وينبغي أن يكون سؤال المرء عن دينه هو وعبادته، وعقيدته، وماذا يفعل. . . إلى آخر ذلك من الأمور الهامة التي أمر بها أو نهي عنها، حتى يحقق العبودية لله تعالى.
ولنا في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، فإنهم لم يكونوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن مثل هذه المسائل التي لا ينفع المكلف علمها، ولا يضره الجهل بها.
وأسأل الله تعالى أن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب