خروج الريح المستمر هل يمنعها من الذهاب إلى المسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لا يحق لي الصلاة في المسجد؛ لكوني أعاني من خروج ريح ليست لها رائحة بصفة مستمرة؟ وكم مرة علي أن أتوضأ لأصلي الفرض والنوافل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
خروج الريح ناقض للوضوء؛ لما روى البخاري (١٣٥) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ.
وخروج الريح له حالان:
الأولى: أن يكون لها وقت تنقطع فيه، كما لو كانت تخرج ثم تسكن مدة تتمكنين فيها من الوضوء والصلاة في وقتها، فهنا عليك أن تتوضئي وتصلي في الوقت الذي تنقطع فيه.
الثانية: أن تكون مستمرة وليس لها وقت تنقطع فيه بل يمكن أن تخرج أي وقت، فإنك تتوضئين لكل صلاة بعد دخول وقتها وتصلين بهذا الوضوء الفرض وما شئت من النفل، ولا يضرك ما خرج ولو كان ذلك أثناء الصلاة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فمن لم يمكنه حفظ الطهارة مقدار الصلاة فإنه يتوضأ ويصلي ولا يضره ما خرج منه في الصلاة، ولا ينتقض وضوؤه بذلك باتفاق الأئمة، وأكثر ما عليه أن يتوضأ لكل صلاة " انتهى من "مجموع الفتاوى" (٢١ / ٢٢١) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (٥/٤١١) : " الأصل أن خروج الريح ينقض الوضوء، لكن إذا كان يخرج من شخص باستمرار وجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة عند إرادة الصلاة، ثم إذا خرج منه وهو في الصلاة لا يبطلها وعليه أن يستمر في صلاته حتى يتمها، تيسراً من الله تعالى لعباده ورفعاً للحرج عنهم، كما قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر) ، وقال: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) " انتهى.
ثانيا:
إذا كان لهذا الخارج رائحة كريهة لم يجز حضورك للمسجد، لما فيه من الإيذاء للمصلين والملائكة.
وقد روى البخاري (٥٤٥٢) ومسلم (٥٦٤) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ) ، وفي رواية لمسلم: (مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ) .
وروى مسلم (٥٦٧) عن عمر رضي الله عنه قال: (إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا) .
فهذا يدل على وجوب تنزيه المساجد عن الروائح الكريهة، ومنع صاحبها من حضورها أو البقاء فيها.
قال في "كشاف القناع" (٢/٣٦٥) : "ويسن أن يصان كل مسجد عن كل وسخ وقذر وقذاةِ عيْنٍ ومخاط وتقليم أظفار وقص شارب وحلق رأس ونتف إبط ; لأن المساجد لم تبن لذلك،
ويسن أيضا أن يصان عن رائحة كريهة من بصل وثوم وكراث ونحوهم كفجل , وإن لم يكن فيه أحد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس) رواه ابن ماجه، وقال: (من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن مصلانا) . وفي رواية: (فلا يقربن مساجدنا) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
فإن دخل المسجدَ آكلُ ذلك أي: ما له رائحة كريهة من ثوم وبصل ونحوهما قويَ استحباب إخراجه إزالة للأذى.
وعلى قياسه: إخراج الريح من دبره فيه في المسجد؛ لأن فيه إيذاء بالرائحة، فيسنّ أن يصان المسجد من ذلك ويُخرج منه لأجله " انتهى بتصرف.
أما إذا كان الريح ليس له رائحة كريهة، فلا مانع من دخولك المسجد وجلوسك فيه.
قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: "باب الحدث في المسجد"
قال ابن رجب رحمه الله في "فتح الباري":
"مقصوده – يعني: البخاري -: أنه يجوز تعمد إخراج الحدث في المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره، ولم ينه عنه، إنما أخبر أنه يقطع صلاة الملائكة.
وقد رخص في تعمد إخراج الحدث في المسجد الحسن وعطاء وإسحاق.
وقد تقدم أن النوم في المسجد جائز للضرورة بغير خلاف، ومنه نوم المعتكف لضرورة صحة اعتكافه، ولغير ضرورة عند الأكثرين، والنوم مظنة خروج الحدث، فلو منع من خروج الريح في المسجد لمنع من النوم فيه بكل حال، وهو مخالف للنصوص والإجماع" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب