للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تفسير قوله تعالى: (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ)

[السُّؤَالُ]

ـ[ما معنى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ؟ وعلى من تعود الخشية؟ ونحن جميعاً نعلم أن الله لا يخشى أحدا، وإنما يخشاه العباد؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) فاطر/٢٨.

فالفاعل هنا: (العلماءُ) فهم أهل الخشية والخوف من الله.

واسم الجلالة (الله) : مفعول مقدم.

وفائدة تقديم المفعول هنا: حصر الفاعلية، أي أن الله تعالى لا يخشاه إلا العلماءُ، ولو قُدم الفاعل لاختلف المعنى ولصار: لا يخشى العلماءُ إلا اللهَ، وهذا غير صحيح فقد وُجد من العلماء من يخشون غير الله.

ولهذا قال شيخ الإسلام عن الآية:

" وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ خَشِيَ اللَّهَ فَهُوَ عَالِمٌ. وَهُوَ حَقٌّ، وَلا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ عَالِمٍ يَخْشَاهُ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (٧/٥٣٩) .

وانظر: "تفسير البيضاوي" (٤/٤١٨) ، و "فتح القدير" (٤/٤٩٤) .

وأفادت الآية الكريمة أن العلماء هم أهل الخشية، وأن من لم يخف من ربه فليس بعالم.

قال ابن كثير رحمه الله:

" إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير أتم والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر.

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) قال: الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير ... وقال سعيد بن جبير: الخشية هي التي تحول بينك وبين معصية الله عز وجل. وقال الحسن البصري: العالم من خشي الرحمن بالغيب، ورغب فيما رغب الله فيه، وزهد فيما سخط الله فيه، ثم تلا الحسن: (إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور) .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ليس العلم عن كثرة الحديث، ولكن العلم عن كثرة الخشية. . .

وقال سفيان الثوري عن أبي حيان التيمي عن رجل قال: كان يقال العلماء ثلاثة: عالم بالله عالم بأمر الله، وعالم بالله ليس بعالم بأمر الله، وعالم بأمر الله ليس بعالم بالله. فالعالم بالله وبأمر الله: الذي يخشى الله تعالى ويعلم الحدود والفرائض، والعالم بالله ليس بعالم بأمر الله: الذي يخشى الله ولا يعلم الحدود ولا الفرائض. والعالم بأمر الله ليس العالم بالله: الذي يعلم الحدود والفرائض ولا يخشى الله عز وجل " انتهى من تفسير ابن كثير (٤/٧٢٩) باختصار.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (١٧/٢١) :

" قوله تعالى: (إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لا يَخْشَاهُ إلا عَالِمٌ ; فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ خَشِيَ اللَّهَ فَهُوَ عَالِمٌ كَمَا قَالَ فِي الآيَةِ الأُخْرَى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) الزمر/٩ " انتهى.

وقال السعدي رحمه الله:

" فكل مَنْ كان بالله أعلم، كان أكثر له خشية، وأوجبت له خشية الله الانكفاف عن المعاصي، والاستعداد للقاء مَنْ يخشاه، وهذا دليل على فضل العلم، فإنه داعٍ إلى خشية الله، وأهل خشيته هم أهل كرامته، كما قال تعالى: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) البينة/٨ " انتهى.

والحاصل: أن الفاعل في الآية هم العلماء.

ومعنى الآية: أن الله تعالى لا يخشاه أحدٌ إلا العلماءُ، وهم الذين يعرفون قدرته وسلطانه.

وليس معنى الآية أن الله تعالى هو الذي يخشى العلماء، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>