يعمل في مشروع إنشاء بنك ربوي ولو تركه ربما فصل من عمله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس أعمل موظف في مكتب استشاري في القاهرة وقد أسند إلي المكتب منذ حوالي العام والنصف مهمة العمل في مشروع إنشاء بنك ربوي للأسف ولكني طلبت من المسؤول في المكتب أن يسند إلي العمل في مشروع آخر لأني أخشى أن يكون هذا العمل حراماً فأخبرني حينئذ أنه لا يوجد عمل آخر فسألته إن كان هناك مشروع سيبدأ في خلال شهور قريبة فقال لي لا. (علماً بأن مهمتي هي الفصل في مستحقات المقاول الذي قام بالبناء ولا تتعلق بالإشراف على العمل التنفيذي) . شعرت وقتها أني مضطر للعمل بالمشروع حيث إني متزوج وأب لثلاثة أولاد وليس لدي مصدر دخل آخر غير المرتب، وبدأت العمل في المشروع وظللت أبحث في المواقع الإسلامية على النت ما يفصل في مشروعية عملي هذا، وقد وجدت حكماً وقتئذ شعرت معه أنه قريب من حالتي وهي أن الحارس الذي يعمل في حراسة البنك الربوي يكون عمله جائزاً أو مكروهاً فقط وليس محرماً إن كان لا يجد عملاً آخر، فاطمأن قلبي وقتها واستمريت بعملي وأنا أحمد الله أني لم أغضبه. ولكن منذ حوالي ثلاثة أشهر تقريباً راودني إحساس بأن تلك الوظيفة يشوبها شيء فبدأت بإرسال الاستفتاءات للمواقع الإسلامية لكي أتيقن من هذا الخاطر وقد رد على سؤالي أحد المشايخ بأن عملي هذا يحرم. منذ ذلك الحين وأنا أشعر بالذنب وأن مالي يشوبه الحرام وهذا مالا أتحمله ولكن المشكلة أن طبيعة عملي تلك تجعل كل تفاصيل وخيوط العمل معي والمشروع قد أوشك على الانتهاء وأصبح موقف مكتبي حرج جداً في حال انسحابي من المشروع في تلك المرحلة الحرجة أمام مالك المشروع وبالتبعية موقفي أمام مكتبي سيكون أشد حرجاً وأنا الآن لا أعرف ما هو الحل الصحيح لتلك المشكلة والذي أسألكم لأجله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز العمل في إنشاء البنوك الربوية، ولا الإعانة على ذلك بوجه من الوجوه؛ تنفيذا أو إشرافا أو تخطيطا أو غير ذلك، لما تقرر في الشريعة من تحريم الربا ولعن فاعله وشاهده وكاتبه، والبنك الربوي مؤسسة تقوم على هذا الربا وترعاه وتنشره وتدعو الناس إليه، فإنشاء هذا البنك أعظم ولاشك من الوقوع في معاملة ربوية معيّنة، والقائمون على ذلك معرضون للعقاب الشديد، والحرب من الله ورسوله، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/٢٧٨-٢٧٩.
وروى مسلم (١٥٩٨) عن جابر قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه. وقال: هم سواء.
وقد أفتى كبار أهل العلم بتحريم العمل في البنوك الربوية، ولو كان العمل فيما لا يتصل بالربا كالحراسة، والنظافة، والخدمة.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (١٥/٤١) : "لا يجوز لمسلم أن يعمل في بنك تعامله بالربا، ولو كان العمل الذي يتولاه ذلك المسلم غير ربوي؛ لتوفيره لموظفيه الذين يعملون في الربويات ما يحتاجونه ويستعينون به على أعمالهم الربوية، وقد قال تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَان) المائدة/٢" انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز العمل في مؤسسة ربوية كسائق أو حارس؟
فأجاب: "لا يجوز العمل بالمؤسسات الربوية ولو كان الإنسان سائقا أو حارسا، وذلك لأن دخوله في وظيفة عند مؤسسات ربوية يستلزم الرضى بها، لأن من ينكر الشيء لا يمكن أن يعمل لمصلحته، فإذا عمل لمصلحته فإنه يكون راضيا به، والراضي بالشيء المحرم يناله من إثمه. أما من كان يباشر القيد والكتابة والإرسال والإيداع وما أشبه ذلك فهو لاشك أنه مباشر للحرام. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه. وقال: هم سواء" انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (٢/٤٠١) .
وبهذا تعلم أن عملك المذكور لا يجوز، وأنه يجب عليك الخروج منه، والتوبة إلى تعالى، والحذر من مقته وغضبه، وأن من أفتاك بأن عملك محرم قد أصاب.
ثانيا:
كون المشروع في مراحله الأخيرة، وكون خروجك سيسبب إحراجا للشركة، وربما أدى إلى فصلك من العمل، كل ذلك لا يبيح لك الاستمرار فيه، بل الواجب تركه، لان إنشاء البنك الربوي من أعظم المنكرات، كما عُلم مما سبق، وأبواب الرزق الحلال كثيرة، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، فينبغي أن يعظُم توكلك على الله ورجاؤك فيما عنده وثقتك فيما أعده لعباده الصالحين المتقين، فإنه أخبر سبحانه أنه يحبهم، وأنه معهم، وأنه يرزقهم، وأنه يحسن إليهم، ويفرّج عنهم، وهو مالك الملك جل وعلا، لا تنزل قطرة من السماء إلا بأمره، ولا يأتيك درهم حتى يأذن فيه سبحانه، فَلِمَ تخاف؟ ومِمَّ تخاف؟!
قال الله سبحانه: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) الذاريات/٢٢، ٢٣، وقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) الذاريات/٥٨، وقال تعالى: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/٩٦، وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/٢، ٣.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي أمامة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم ٢٠٨٥
فبادر بالتوبة والرجوع إلى الله، وأعلن براءتك من الربا والقائمين عليه، ثم إن وجدت عملا مباحا في شركتك فانتقل إليه، وإلا فابحث عن غيره، ولن تضيع، فإن الله سبحانه لا يضيع أجر المحسنين.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب