للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم الصلاة خلف من يشرب الدخان

[السُّؤَالُ]

ـ[هل تصح الصلاة خلف إمام يشرب الدخان، علماً بأنه توجد مساجد أخرى لكن تجتمع الأئمة على الاشتراك في التدخين -؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

شرب الدخان حرام، ولا شك في ذلك عند العلماء، وهو ضار ولا شك في ذلك عند الأطباء والعقلاء، وارتكاب هذا الفعل من إمام مسجد: يعد من المجاهرة بالمعصية، وبعض أهل العلم يمنع من الصلاة خلفه، إلا أن الصواب جواز ذلك، مع التنبيه أن غيره من أهل العدالة أولى.

سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:

ما حكم شرب الدخان، وحكم إمامة من يجاهر بذلك؟ .

فأجاب:

قد دلت الأدلة الشرعية على أن شرب الدخان من الأمور المحرمة شرعاً؛ وذلك لما اشتمل عليه من الخبث والأضرار الكثيرة، والله سبحانه لم يبح لعباده من المطاعم والمشارب إلا ما كان طيباً نافعاً، أما ما كان ضارّاً لهم في دينهم أو دنياهم أو مغيراً لعقولهم: فإن الله سبحانه قد حرمه عليهم، وهو عز وجل أرحم بهم من أنفسهم، وهو الحكيم العليم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره، فلا يحرم شيئاً عبثاً، ولا يخلق شيئاً باطلاً، ولا يأمر بشيءٍ ليس للعباد فيه فائدة؛ لأنه سبحانه أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وهو العالم بما يصلح العباد وينفعهم في العاجل والآجل، كما قال سبحانه: (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) الأنعام/٨٣، وقال عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) الإنسان/٣٠.والآيات في هذا المعنى كثيرة. ومن الدلائل القرآنية على تحريم شرب الدخان قوله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في سورة المائدة: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) المائدة/٤، وقال في سورة الأعراف في وصف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) الأعراف/١٥٧ الآية.

فأوضح سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين أنه سبحانه لم يحل لعباده إلا الطيبات؛ وهي الأطعمة والأشربة النافعة، أما الأطعمة والأشربة الضارة كالمسكرات والمخدرات وسائر الأطعمة والأشربة الضارة في الدين أو البدن أو العقل: فهي من الخبائث المحرمة، وقد أجمع الأطباء وغيرهم من العارفين بالدخان وأضراره أن الدخان من المشارب الضارة ضررا كبيرا، وذكروا أنه سبب لكثير من الأمراض كالسرطان وموت السكتة وغير ذلك، فما كان بهذه المثابة فلا شك في تحريمه ووجوب الحذر منه، فلا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يشربه، فقد قال الله تعالى في كتابه المبين: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ) الأنعام/١١٦، وقال عز وجل: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا) الفرقان/٤٤.

أما إمامة شارب الدخان وغيره من العصاة في الصلاة: فلا ينبغي أن يتخذ مثله إماماً، بل المشروع أن يختار للإمامة الأخيار من المسلمين المعروفين بالدين والاستقامة؛ لأن الإمامة شأنها عظيم؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما) الحديث، رواه مسلم في صحيحه، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمالك بن الحويرث وأصحابه: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم) .

لكن اختلف العلماء رحمهم الله هل تصح إمامة العاصي والصلاة خلفه، فقال بعضهم: لا تصح الصلاة خلفه؛ لضعف دينه ونقص إيمانه، وقال آخرون من أهل العلم: تصح إمامته والصلاة خلفه؛ لأنه مسلم قد صحت صلاته في نفسه فتصح صلاة من خلفه؛ ولأن كثيراً من الصحابة صلوا خلف بعض الأمراء المعروفين بالظلم والفسق، ومنهم ابن عمر رضي الله عنهما قد صلى خلف الحجاج وهو من أظلم الناس، وهذا هو القول الراجح، وهو صحة إمامته والصلاة خلفه، لكن لا ينبغي أن يتخذ إماما مع القدرة على إمامة غيره من أهل الخير والصلاح.

" فتاوى الشيخ ابن باز " (١٢ / ١٢٣ – ١٢٧) .

وسئل الشيخ – رحمه الله – أيضاً -:

ما حكم الصلاة خلف العاصي كحالق اللحية وشارب الدخان؟ .

فأجاب:

اختلف العلماء في هذه المسألة: فذهب بعضهم إلى عدم صحة الصلاة خلف العاصي؛ لضعف إيمانه وأمانته، وذهب جمع كبير من أهل العلم إلى صحتها، ولكن لا ينبغي لولاة الأمر أن يجعلوا العصاة أئمة للناس مع وجود غيرهم، وهذا هو الصواب؛ لأنه مسلم يعلم أن الصلاة واجبة عليه ويؤديها على هذا الأساس فصحت صلاة من خلفه، والحجة في ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الصلاة خلف الأمراء الفسقة: (يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم) – رواه البخاري الأذان (٦٦٢) -، وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أحاديث أخرى ترشد إلى هذا المعنى، وصلى بعض الصحابة خلف الحجاج وهو من أفسق الناس؛ ولأن الجماعة مطلوبة في الصلاة، فينبغي للمؤمن أن يحرص عليها، وأن يحافظ عليها ولو كان الإمام فاسقاً، لكن إذا أمكنه أن يصلي خلف إمام عدل: فهو أولى، وأفضل، وأحوط للدين.

" فتاوى الشيخ ابن باز " (٦ / ٤٠٠) .

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:

الصلاة تصح خلف المدخن , وصلاة المدخن صحيحة , ومن صحت صلاته: صحت إمامته؛ لأن المقصود أن يكون إماما لك، وهذا يكون بصحة الصلاة , ولهذا لو وجدت شخصاً يشرب الدخان , أو حالق اللحية , أو يتعامل بالربا , أو ما شابه ذلك: فلا حرج عليك أن تصلي معه، وصلاتك صحيحة.

" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (١٥ / السؤال رقم ١٠٠٣) .

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>