لا حرج من تناول أدوية لمرض نفسي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب منذ أن خلقت وأنا أعاني من نقص يتمثل في أنني حساس جدّاً وانطوائي وأعاني من الخوف، مع العلم أن هذا المرض وراثي، فلقد عانى منه أبي وأمي وجدتي وعمتي وابنة عمتي، ولقد علمت أنه ناتج عن نقص مواد في المخ، لا يستطيع جسمي إنتاجها، ويمكن تعويضها بالأدوية، فهل هذا مخالف للشريعة؟ وهل يعتبر تغييرا في خلق الله؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التداوي مشروع من حيث الجملة، ولا يعتبر تغييراً لخلق الله، وحكمه عند العلماء بين الإباحة والاستحباب، فقد ذهب الحنفية والمالكية إلى أن التداوي مباح، وذهب الشافعية وبعض الحنابلة إلى استحبابه، ومذهب جمهور الحنابلة: أن تركه أفضل , ونص عليه أحمد.
عن أنس رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ خَلَقَ الدَّاءَ خَلَقَ الدَّوَاءَ فَتَدَاوَوْا) رواه أحمد (١٢١٨٦) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (١٦٣٣) .
وعن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: قَالَتْ الأَعْرَابُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: (نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، إِلا دَاءً وَاحِدًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الْهَرَمُ) . رواه الترمذي (٢٠٣٨) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
(الْهَرَمُ) هو الضعف بسبب كبر السن وأمراض الشيخوخة، فليس له دواء.
ولا فرق في التداوي بين أن يكون للأمراض الباطنية أو العقلية أو العصبية، ولفظ "الداء" في الأحاديث عامة تشمل جميع الأمراض.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" يجوز التداوي اتفاقاً، وللمسلم أن يذهب إلى دكتور أمراض باطنية أو جراحية أو عصبية أو نحو ذلك ليشخِّص له مرضه ويعالجه بما يناسبه من الأدوية المباحة شرعاً حسبما يعرفه في علم الطب؛ لأن ذلك من باب الأخذ بالأسباب العادية، ولا ينافي التوكل على الله، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى الداء وأنزل معه الدواء، عَرف ذلك من عرفه، وجهله من جهله، ولكنه سبحانه لم يجعل شفاء عباده فيما حرمه عليهم.
فلا يجوز للمريض أن يذهب إلى الكهنة الذين يدَّعون معرفة المغيبات ليعرف منهم مرضه، كما لا يجوز له أن يصدقهم فيما يخبرونه به، فإنهم يتكلمون رجما بالغيب أو يستحضرون الجن ليستعينوا بهم على ما يريدون، وهؤلاء حكمهم الكفر والضلال إذا ادَّعوا علم الغيب ...
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (٣/٢٧٤) .
ومع جواز تناول الأدوية الحسية، فإنه ينبغي للمريض – أيضاً – أن يهتم بالأدوية الشرعية، والتي جعل الله تعالى فيها شفاء للأمراض الحسية والمعنوية، مثل الرقية الشرعية من القرآن والسنة.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء في جواب لسؤال مشابه:
" ثقي بالله تعالى وحسِّني الظن به، وفوضي أمرك إليه، ولا تيأسي من رحمته وفضله وإحسانه فإنه سبحانه ما أنزل داء إلا أنزل له شفاء، وعليك الأخذ بالأسباب فاستمري في مراجعة الأطباء المتخصصين في معرفة الأمراض وعلاجها، واقرئي على نفسك سورة الإخلاص وسورة الفلق وسورة الناس " ثلاث مرات " وانفثي في يديك عقب كل مرة، وامسحي بهما وجهك وما استطعت من جسمك، وكرري ذلك مرات ليلاً ونهاراً وعند النوم، واقرئي على نفسك أيضا سورة " الفاتحة " في أي ساعة من ليل أو نهار، واقرئي " آية الكرسي " عندما تضطجعين في فراشك للنوم، فذلك من خير ما يرقي الإنسان به نفسه ويحصنها من الشر، وادعي الله تعالى بدعاء الكرب، فقولي: " لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم "، وارقي نفسك أيضا برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي: (اللهم رب الناس، مُذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، شفاء لا يغادر سقما) ، إلى غير ذلك من الأذكار والرقى والأدعية التي ذكرت في دواوين الحديث، وذكرها النووي في كتاب "رياض الصالحين"، وكتاب "الأذكار".
"فتاوى اللجنة الدائمة" (١/٢٩٧) .
ونسأل الله رب الناس أن يُذهب بأسك، وأن يعافيك مما ابتلاك به، ونوصيك بالصبر واحتساب ما أصابك لله تعالى، ونرجو الله تعالى أن يثيبك ويفرج كربك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب