للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم بيع أرقام هواتف وسيارات مميزة بأسعار باهظة

[السُّؤَالُ]

ـ[ما هو الحكم في: شراء وبيع الأرقام (أرقام الهواتف والسيارات) ، وإذا اشترى أحدهم رقم لوحة سيارة ثم باعه فهل هذا المال حلال؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

ينبغي لكل مسلم أن يعلم: أن الله تعالى نهى عن الإسراف والتبذير، وهما مجاوزة الحد في إنفاق الأموال.

قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/٣١.

وقال تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا. إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/٢٦، ٢٧.

وليعلم كل مسلم أنه لن تزول قدمه إلى جنة ولا إلى نار حتى يسأله الله تعالى عن أشياء، ومنها: عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه.

عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ما فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه) . رواه الترمذي (٢٤١٧) وقال: حسن صحيح، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (١٢٦) .

وليُعلم بعد هذا: أن شراء أرقام هواتف الجوالات والسيارات المميزة بآلاف الدنانير والريالات نوع من الإسراف أو التبذير أومن الإنفاق في الحرام، وأن الله تعالى سائل كل واحد من هؤلاء عن ماله هذا الذي أنفقه في مثل هذه المجالات.

وبخاصة أننا نرى المسلمين في أكثر بقاع الأرض في بأس وضنك في حياتهم ومعيشتهم، وأن بعضهم لا يجد لقمة يسد بها جوعه، وآخرين لا يجدون لباساً يواري سوآتهم، وآخرين لا يجدون سكناً يؤويهم، بل قد هدِّمت بيوت بعضهم فوق رؤوسهم.

وفي هذا الوقت العصيب نجد من المسلمين من اشترى لوحة سيارة تحمل الرقم (١) بما يعادل (٢.١٨ مليون دولاراً) ! وذلك في مزاد علني.

وفي المزاد نفسه بيعت اللوحة التي تحمل رقم ٢ بما يعادل (١.١١) مليون دولاراً!

وقال منظمو المزاد: إن حصيلة المزاد في اليوم الأول بلغت نحو (٣.٩) ملايين دولاراً!

وهكذا الأمر بالنسبة لأرقام الجوالات والتي بيع رقم منها بما يعادل (٣٦٠ ألف دولاراً) !

وقد انتشرت هذه الحمى في بلدان متعددة كان الأولى أن ينتشر فيه مساعدة المسلمين وحفظ الأموال من السفه والإسراف والتبذير.

والملاحظ أن الذي يدفع هؤلاء إلى مثل هذا الشراء أمور منكرة كالكبر والتعالي والتفاخر على غيرهم، " ومن أبرز التعليقات التي قيلت حول هذا الموضع ما نشرته إحدى الصحف عن عريس تقدم يطلب يد إحدى الفتيات للزواج ويقول العريس لوالد الفتاة: " ما تحتاج تسأل عني شوف رقم سيارتي تعرفني ".

" ومن الملاحظ أن سعر الرقم المتميز يبلغ ضعف ثمن سيارة " رولزرويس " التي يتراوح سعرها في الإمارات بين مليون ومليون ونصف المليون درهم، كما أنه ربما يبلغ خمسة أضعاف ثمن سيارة فخمة مثل " المرسيدس "، أو عشرة أضعاف سعر سيارة شهيرة مثل " اللكزس " التي يفضلها الأثرياء ".

واعلم بعد هذا كم يمكن أن يُشترى من طعام وشراب ولباس بل وسيارات وهواتف لمن يحتاجها؟ وكم شاب يمكن أن تعفه بالزواج؟ وكم من سجين يمكن أن تطلِق سراحه بدينٍ سجن به؟ وكم من تائه عن الصراط ومنحرف يمكن أن ترجعه إلى الصراط المستقيم فيما لو اشتري بها كتب أو وزعت بها أشرطة دينية؟

الرقم المتميز لا يعني تميز صاحبه أو يعتبر تميزاً له بالسذاجة والاهتمام بتوافه الأمور، والرقم المتميز ليس هو تقنية – كما في السيارات نفسها – يبحث عنها الإنسان لما فيها من راحة أو سرعة أو أمان، والرقم المتميز ليس هو تمتع بالنظر إليه – كبعض الطيور – بل هو تعالٍ وتفاخر وتبذير للأموال.

ولو كان الرقم المميز في رقم هاتف لشركة تجارية – مثلاً – أو دائرة مهمة يحتاجها الناس أو ما شابه ذلك لكان لشرائه وجه على أن لا يبلغ سعره ما ذكرناه.

وشراء الرقم المتميز يشبه إلى حد بعيد ما جاء النهي عنه من لبس ثوب الشهرة.

" من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوبا مثله – وفي لفظ: " ثوب مذلة " - " زاد بعض الرواة:

" ثم تلهب فيه النار ". رواه أبو داود (٤٠٢٩) وابن ماجه (٣٦٠٧) .

قال ابن القيم:

هذا لأنه قصد به الاختيال والفخر، فعاقبه الله بنقيض ذلك، فأذله، كما عاقب من أطال ثيابه خيلاء بأن خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة. " زاد المعاد " (١ / ١٤٥، ١٤٦) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:

وتكره الشهرة من الثياب، وهو المترفع الخارج عن العادة، والمتخفض الخارج عن العادة؛ فإن السلف كانوا يكرهون الشهرتين: المترفع والمتخفض، وفى الحديث " من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة "، وخيار الأمور أوساطها. " مجموع الفتاوى " (٢٢ / ١٣٨) .

والخلاصة: أنه لا يجوز بيع وشراء هذه الأرقام المميزة، ولو جاز لبعض الناس ما جاز لهم أن يبذلوا فيها هذه الأموال الطائلة.

والواجب على من وهبه الله المال أن يشكر هذه النعمة ويحاف عليه، وأن لا ينفقه فيما يبغض الله تعالى أو فيما لا طائل وراءه، وليعلم أنه مسئول عن هذا المال يوم القيامة: من أين اكتسبه وفيم أنفقه.

والله الموفق.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>