أي الملائكة تقبض روح المسلم: ملائكة الرحمة، أم ملائكة العذاب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[المسلم العاصي إذا مات هل تقبض روحه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب، مع العلم بأنه مصلي، ولكنه يرتكب المعاصي: مثل النظر للحرام، أو سماع الأغاني؟ جزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
عامة النصوص الواردة في هذا الموضوع تقسم الناس إلى قسمين:
١- مؤمنون: تتولى ملائكة الرحمة قبض أرواحهم، وترفعها إلى السماء، تحفها بعنايتها، وتتلقاها بالبشرى، وتناديها بأحب أسمائها، فترى من النعيم والسرور والحبور ما يسرها ويثبتها.
٢- كافرون ومنافقون: تتولى ملائكة العذاب نزع أرواحهم، وتتلقاها بالشدة والوعيد، تغلق في وجهها أبواب السماء، فتلقى في الأرض لتنال من الويل والعذاب جزاء ما كسبت في الدنيا من ظلم وكفر وعدوان.
وقد ذكر الله عز وجل ذلك في القرآن الكريم، فقال سبحانه وتعالى: (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا. وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا. وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا) النازعات/١-٣
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" قال ابن مسعود، وابن عباس، ومسروق، وسعيد بن جبير، وأبو صالح، وأبو الضحى، والسُّدِّي: (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا) الملائكة، يعنون حين تنزع أرواح بني آدم، فمنهم من تأخذ روحه بعُنف فَتُغرق في نزعها، ومنهم من تأخذ روحه بسهولة وكأنما حَلَّته من نشاط، وهو قوله: (وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا) قاله ابن عباس.
وعن ابن عباس: (والنازعات) هي أنفس الكفار، تُنزع ثم تُنشَط، ثم تغرق في النار. رواه ابن أبي حاتم " انتهى.
"تفسير القرآن العظيم" (٨/٣١٢)
ثانيا:
يبقى الخوف على المسلم العاصي، أو المسلم الفاسق - والمقصود هو المصر على كبائر الذنوب، أو الظالم المعتدي على الخلق ومات على ذلك -: بأي القسمين السابقين يلحق؟ هل تقبض روحه ملائكة الرحمة ويلقى ما يلقاه المؤمنون، أم تقبضها ملائكة العذاب ويلقى ما يلقاه الكافرون؟
هذا من عالم الغيب الذي لم نقف فيه على نصوص صريحة تجزم لنا بحقيقة الحال الذي سيؤول إليه أصحاب الكبائر.
ولكن ثمة بعض الإشارات التي يمكن أن تدل على أن ملائكة العذاب هي التي تتولى قبض أرواح أصحاب الكبائر، ومن ذلك:
١- حديث الرجل الذي قتل مائة نفس، ثم تاب إلى الله عز وجل، فلما قبضت روحه اختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب أيهم يقبضها ويرفعها، فقد جاء في قصته التي يرويها أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: (فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ. وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ، فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ) رواه البخاري (٣٧٤٠) ، ومسلم (٢٧٦٦)
فتأمل كيف أن ملائكة العذاب همت أن تقبض روح هذا العاصي الذي قتل مائة نفس، ولولا صدق توبته لكانت روحه من نصيب ملائكة العذاب، فالخوف على جميع أصحاب الكبائر بعد ذلك أن تتولى ملائكة العذاب قبض أرواحهم إن لم يتوبوا إلى الله عز وجل.
٢- الأحاديث الكثيرة التي جاءت في وصف حضور الملائكة قبض روح الميت، وإصعادها بها إلى السماوات العلى، والمقابلة بين حال المؤمنين وحال الكافرين، جاء في بعض روايات هذه الأحاديث ذكر (الفاجر) بدلا من (الكافر) ، وفي بعضها تصفه بـ (الرجل السوء) وقد يكون في ذلك إشارة أيضا إلى أن أصحاب الكبائر على خطر عظيم في هذا الشأن.
عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال – في حديث طويل يبين فيه حال المؤمن والفاجر عند قبض الأرواح -:
(وأما الفاجر: فإذا كان في قبل من الآخرة، وانقطاع من الدنيا، أتاه ملك الموت، فيقعد عند رأسه، وينزل الملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيقعدون منه مد البصر، فيقول ملك الموت: أخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى سخط من الله وغضب ... إلى آخر الحديث)
هذه رواية الحاكم في "المستدرك" (١/٩٣) ، وصححها الشيخ الألباني في "أحكام الجنائز" (فقرة/١٠٨) ، والحديث أصله في السنن. وقد جمع ابن طولون في كتابه: "التحرير المرسخ في أحوال البرزخ" (ص/٧٥-١١٢) الأحاديث والآثار الواردة في هذا الشأن يمكن الاطلاع عليها هناك.
إلا إذا قلنا: إن المراد بالفاجر، أو الرجل السوء، في هذه الروايات، هو: الكافر، المذكور في الروايات الأخرى، لتتفق روايات الحديث، كما هو الأظهر، فيعود الأمر إلى السكوت عن أهل المعاصي والكبائر من المسلمين. والله أعلم.
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله:
" (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) النحل/٣٢
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن المتقين الذين كنوا يمتثلون أوامر ربهم، ويجتنبون نواهيه، تتوفاهم الملائكة: أي يقبضون أرواحهم، في حال كونهم طيبين: أي طاهرين من الشرك والمعاصي - على أصح التفسيرات - ويبشرونهم بالجنة، ويسلمون عليهم.
وبين هذا المعنى أيضاً في غير هذا الموضع. كقوله: {إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة أَلَاّ تَخَافُواْ وَلَا تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بالجنة التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: ٣٠] ، وقوله: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خَالِدِينَ} [الزمر: ٧٣] ، وقوله: {وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار} [الرعد: ٢٣-٢٤] . والبشارة عند الموت، وعند دخول الجنة من باب واحد. لأنها بشارة بالخير بعد الانتقال إلى الآخرة.
ويفهم من صفات هؤلاء الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ويقولون لهم سلام عليكم ادخلوا الجنة - أن الذين لم يتصفوا بالتقوى لم تتوفهم الملائكة على تلك الحال الكريمة، ولم تسلم عليهم، ولم تبشرهم.
وقد بين تعالى هذا المفهوم في مواضع أخر. كقوله: {الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السلم} [النحل: ٢٨] الآية، وقوله: {إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ} [النساء: ٩٧]- إلى قوله - {وَسَآءَتْ مَصِيراً} [النساء: ٩٧] ، وقوله: {وَلَوْ ترى إِذْ يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [الأنفال: ٥٠] الآية، إلى غير ذلك من الآيات " انتهى. أضواء البيان (٣/٣) .
ولعله أن يقال هنا ـ والله أعلم ـ أن حال أهل المعاصي والكبائر، عند الموت، يتفاوت بحسب معاصيهم وطاعاتهم؛ فمن كان من الموحدين، الطيبين المستقيمين، فله من البشارة وطيب الحال ما وعد الله به هنا، ومن خلط خُلط له، فيحرم من البشارة وطيب الحال، ورحمة الملائكة به، بحسب حاله وعمله.
وانظر جواب السؤال رقم: (٥٢٨٨٧)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب