حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإقامة أو بعدها
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أقول عند النداء لقيام صلاة الفرض في المسجد؟ وهل هذا الموضع من مواضع الصلاة على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هناك مسألتان مهمتان في أبواب " الأذان والإقامة " لا بد من بيانهما والتفريق بينهما:
المسألة الأولى:
هل يستحب لمن أراد أن يقيم الصلاة أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يشرع في الإقامة؟
قال بذلك بعض متأخري فقهاء الشافعية، فقرره زين الدين بن عبد العزيز المليباري (ت٩٨٧هـ) في كتابه "فتح المعين" (١/٢٨٠) ونسبه للنووي في شرح الوسيط.
وجاء في "إعانة الطالبين" (١/٢٨٠) للسيد البكري الدمياطي (ت بعد ١٣٠٢هـ) قوله:
" وتسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبلهما: أي الأذان والإقامة " انتهى.
ولكن نقل الشيخ علي الشبرامُلَّسي (ت١٠٨٧هـ) من فقهاء الشافعية في حاشيته على "نهاية المحتاج" (١/٤٣٢) عن بعضهم نفي نسبة القول للنووي، وأنه سبق قلم وقع في شرح الوسيط، والصحيح "بعد الإقامة" وليس "قبل الإقامة".
ويمكن أن يستدل لهذا القول بحديث يرويه الطبراني في "المعجم الأوسط" (٨/٣٧٢) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
(كان بلال إذا أراد أن يقيم الصلاة قال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، الصلاة رحمك الله)
لكن في سنده راو اسمه عبد الله بن محمد بن المغيرة ضعيف جدا، يروي المنكرات والموضوعات، جاء في ترجمته في "لسان الميزان" (٣/٣٣٢) : " قال أبو حاتم: ليس بقوي. وقال ابن يونس: منكر الحديث. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. قال النسائي: روى عن الثوري ومالك بن مغول أحاديث كانا أتقى لله من أن يحدثا بها. ذكره العقيلي في الضعفاء فقال: يحدث بما لا أصل له " انتهى.
لذلك حكم الشيخ الألباني رحمه الله على حديثه هذا بالكذب والوضع – كما في "السلسلة الضعيفة" (٨٩١) – ثم قال:
" وهذا الحديث كأنه الأصل لتلك البدعة الفاشية التي رأيناها في حلب وإدلب وغيرها من بلاد الشمال، وهي الصلاة والسلام على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم جهرا قبيل الإقامة، وهي كالبدعة الأخرى، وهي الجهر بها عقب الأذان كما بينه العلماء المحققون.
على أن الظاهر من الحديث - لو صح - أن بلالا كان يدخل على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وهو في حجرته ليخبره بأنه يريد أن يقيم حتى يخرج عليه الصلاة والسلام فيقيم بلال، أو لعله لا يسمع الإقامة فيخبر بها " انتهى.
فالصحيح أنه لا يستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإقامة – كما جرت به العادة في بعض البلاد – لعدم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، وهي إلى البدعة أقرب منها إلى السنة.
وقد أنكر المحققون من الشافعية هذا الفعل أيضا:
سئل ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (١/١٢٩) :
" هل نص أحد على استحباب الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم أول الإقامة؟
فأجاب:
لم أر من قال بندب الصلاة والسلام أول الإقامة، وإنما الذي ذكره أئمتنا أنهما سنتان عقب الإقامة كالأذان، ثم بعدهما: اللهم رب هذه الدعوة التامة ... (ثم ذكر الآثار السابقة عن الحسن البصري وغيره) " انتهى.
وقال أيضا في (١/١٣١) :
" لم نر في شيء منها – يعني الأحاديث - التعرض للصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم - قبل الأذان، ولا إلى محمد رسول الله بعده، ولم نر أيضا في كلام أئمتنا تعرضا لذلك أيضا، فحينئذ كل واحد من هذين ليس بسنة في محله المذكور فيه، فمن أتى بواحد منهما في ذلك معتقدا سنيته في ذلك المحل المخصوص نُهي عنه ومنع منه؛ لأنه تشريع بغير دليل، ومن شرَّع بلا دليل يزجر عن ذلك ويُنهى عنه " انتهى.
وانظر ما سبق حول ذلك في جواب السؤال رقم (٢٢٦٤٦)
المسألة الثانية:
هل يستحب للمقيم نفسِه ولِمَن يسمع الإقامة أن يصليَ على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الفراغ منها؟
ذهب إلى استحباب ذلك جماهير أهل العلم، مستدلين بحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ) رواه مسلم (٣٨٤)
يقول ابن رجب في "فتح الباري" (٣/٤٥٧) :
" وقوله: " إذا سمعتم المؤذن " يدخل فيه الأذان والإقامة؛ لأن كلا منهما نداء إلى الصلاة، صدر من المؤذن " انتهى.
قالوا: وقد ورد ذلك من صريح قول بعض الصحابة والتابعين:
روى ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (حديث رقم/١٠٥) عن أبي هريرة، رضي الله عنه: أنه كان يقول إذا سمع المؤذن يقيم: اللهم رب هذه الدعوة التامة، وهذه الصلاة القائمة، صل على محمد، وآته سؤله يوم القيامة.
وروى عبد الرزاق في "المصنف" (١/٤٩٦) عن أيوب وجابر الجعفي قالا:
" من قال عند الاقامة: اللهم! رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، أعط سيدنا محمدا الوسيلة، وارفع له الدرجات، حقت له الشفاعة على النبي صلى الله عليه وسلم "
وروى الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (٦٠) عن يوسف بن أسباط قال:
" بلغني أنّ الرجل المسلم إذا أقيمت الصلاة فلم يقل: اللهم ربّ هذه الدعوة المستمعة المستجاب لها، صلِّ على محمد وعلى آل محمد، وزوجنا من الحور العين، قلن حور العين: ما كان أزهدك فينا " انتهى.
ولذلك عقد ابن القيم رحمه الله في "جلاء الأفهام" (٣٧٢-٣٧٣) فصلا قال فيه:
" الموطن السادس من مواطن الصلاة عليه: الصلاة عليه بعد إجابة المؤذن، وعند الاقامة " ثم ذكر حديث عبد الله بن عمرو وبعض الآثار السابقة، وذكر أيضا من رواية الحسن بن عرفة بسنده إلى الحسن البصري قال:
" إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، قال: اللهم رب هذه الدعوة الصادقة والصلاة القائمة، صل على محمد عبدك ورسولك , وأبلغه درجة الوسيلة في الجنة , دخل في شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم "
وروى نحوه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٧/١٢٤) عن الحكم والحسن البصري.
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (٦/٨٩-٩٠) :
" السنة أن المستمع للإقامة يقول كما يقول المقيم؛ لأنها أذان ثان، فتجاب كما يجاب الأذان، ويقول المستمع عند قول المقيم: (حي على الصلاة، حي على الفلاح) لا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول عند قوله: (قد قامت الصلاة) مثل قوله، ولا يقول: أقامها الله وأدامها؛ لأن الحديث في ذلك ضعيف، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول)
وهذا يعم الأذان والإقامة؛ لأن كلا منهما يسمى أذانا.
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد قول المقيم (لا إله إلا الله)
ويقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ... إلخ كما يقول بعد الأذان.
ولا نعلم دليلا يصح يدل على استحباب ذكر شيء من الأدعية بين انتهاء الإقامة وقبل تكبيرة الإحرام سوى ما ذكر " انتهى.
وفي "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (١٠/٣٤٧) :
" وأما بعد الفراغ من الذكر من الأذان أو الإقامة، فلا أحفظ شيئا في هذا، إلا أنه صلى الله عليه وسلم شرع للناس أن يجيبوا المؤذن والمقيم، ويقولوا بعد الأذان والإقامة وبعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته) رواه البخاري في صحيحه " انتهى.
وانظر "مغني المحتاج" (١/٣٢٩) ، "حاشية الجمل" (١/٣٠٩) ، "الموسوعة الفقهية" (٦/١٤) ، "الثمر المستطاب" (٢١٤-٢١٥)
والقول الثاني: أنه لا تستحب إجابة المقيم، وبه جزم بعض الأحناف، كما في رد المحتار (٢/٧١) ، وبعض الماليكة أيضا. قال الشيخ زروق: " ولا يحكي الإقامة " اهـ انظر: مواهب الجليل ٢/١٣٢.
اواختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. قال:
" المتابعة في الإقامة فيها حديث أخرجه أبو داود، لكنه ضعيف لا تقوم به الحجة، والراجح أنه لا يتابع " انتهى. مجموع فتاوى الشيخ (١٢/١٦٩) ، وانظر الشرح الممتع (١/٣١٨) ط مصر.
وأما حديث: " بين كل أذنين صلاة "، فإنما سميت الإقامة أذانا من باب التغليب، ولم نقف على تسميتها أذانا بمفردها.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وَتَوَارَدَ الشُّرَّاح عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ بَاب التَّغْلِيب كَقَوْلِهِمْ الْقَمَرَيْنِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَر ... ".
وقال الشيخ بكر أبو زيد، حفظه الله: " لا يعرف حديث صحيح صريح في أن من سمع المؤذن يقيم الصلاة يجيبه، كما ثبت ذلك لمن سمع المؤذن، ودخول إجابة المؤذن في عموم أحاديث إجابة الأذان لا يسلم به، لأن التعليم المفصل من النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطبق إلا على إجابة المؤذن في الأذان " انتهى. تصحيح الدعاء (٣٩٤) .
وانظر: أحكام الأذان والنداء والإقامة تأليف: سامي بن فراج الحازمي (٤٤١-٤٤٣) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب