للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم خطبة صلاة الكسوف وصفتها

[السُّؤَالُ]

ـ[هل لا بد من خطبة الخسوف، وهل تكون طويلة؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب بعد صلاة الكسوف، فقد روى البخاري (١٠٤٤) ومسلم (٩٠١) عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ وَقَدْ انْجَلَتْ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ، وَكَبِّرُوا، وَصَلُّوا، وَتَصَدَّقُوا، ثُمَّ قَالَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا) .

ولهذا ذهب جمهور السلف إلى استحباب الخطبة بعد صلاة الكسوف، وهو مذهب الإمام الشافعي وأحد القولين للإمام أحمد.

قال النووي رحمه الله في " المجموع " (٥/٥٩) عن القول باستحباب الخطبة بعد الصلاة: "وبه قال جمهور السلف، ونقله ابن المنذر عن الجمهور" انتهى.

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:

" تسن الخطبة بعد صلاة الكسوف ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك , وقد قال الله عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني) ، ولما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين , وتفقيههم في الدين, وتحذيرهم من أسباب غضب الله وعقابه، ويكفي أن يفعل ذلك وهو في المصلى بعد الفراغ من الصلاة " انتهى.

" مجموع فتاوى ابن باز " (١٣/٤٤) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن استحباب الخطبة بعد صلاة الكسوف:

"وهو الصحيح، وذلك لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما انتهى من صلاة الكسوف قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، ثم وعظ الناس.

وهذه الصفات صفات الخطبة. وقولهم: إن هذه موعظة؛ لأنها عارضة. نقول: نعم، لو وقع الكسوف في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم مرة أخرى ولم يخطب لقلنا: إنها ليست بسنة، لكنه لم يقع إلا مرة واحدة، وجاء بعدها هذه الخطبة العظيمة التي خطبها وهو قائم، وحمد الله وأثنى عليه، وقال: أما بعد، ثم إن هذه المناسبة للخطبة مناسبة قوية من أجل تذكير الناس وترقيق قلوبهم، وتنبيههم على هذا الحدث الجلل العظيم " انتهى.

" الشرح الممتع " (٥/١٨٨) ، وانظر: "الإنصاف" (٢/٤٤٨) للمرداوي الحنبلي.

وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المستحب أن يخطب خطبتين يجلس بينهما جلسة يسيرة، كما يفعل في خطبة الجمعة، وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله.

وانظر: "الأم" (١/٢٨٠) .

وظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب خطبة واحدة، وهو ما اختاره بعض الحنابلة، ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

انظر: "الإنصاف" (٢/٤٤٨) ، "الشرح الممتع" (٥/١٨٨) .

وقد ذهب الإمامان أبو حنيفة وأحمد في المشهور عنه أنه لا يستحب الخطبة بعدها.

وأجابوا عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم، بأنه صلى الله عليه وسلم خطب بعد الصلاة ليبين للصحابة بعض الأحكام المتعلقة بصلاة الكسوف.

وانظر: "المغني" (٢/١٤٤) .

ومذهب المالكية: أنه يستحب الوعظ بعدها ولكن لا يكون على صفة الخطبة.

وانظر: "بلغة السالك لأقرب المسالك" (١/٣٥٠) .

وقد أجاب ابن دقيق العيد رحمه الله على المذهبين فقال في شرح حديث عائشة السابق:

" ظاهر في الدلالة على أن لصلاة الكسوف خطبة، ولم ير ذلك مالك ولا أبو حنيفة.

قال بعض أتباع مالك: ولا خطبة , ولكن يستقبلهم ويذكرهم.

وهذا خلاف الظاهر من الحديث , لا سيما بعد أن ثبت أنه ابتدأ بما تبتدأ به الخطبة من حمد الله والثناء عليه.

والذي ذُكر من العذر عن مخالفة هذا الظاهر: ضعيف , مثل قولهم: إن المقصود إنما كان الإخبار " أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله , لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته " للرد على من قال ذلك في موت إبراهيم. والإخبار بما رآه من الجنة والنار , وذلك يخصه.

وإنما استضعفناه لأن الخطبة لا تنحصر مقاصدها في شيء معين بعد الإتيان بما هو المطلوب منها من الحمد والثناء والموعظة.

وقد يكون بعض هذه الأمور داخلا في مقاصدها , مثل ذكر الجنة والنار , وكونهما من آيات الله، بل هو كذلك جزما " انتهى.

" إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام " (٢/٣٥٢) .

ثانيا:

أما طول الخطبة، فالمستحب بوجه عام هو تقصير الخطبة، بحيث تفي بالمقصود من وعظ الناس وتذكيرهم، ولا تملهم أو ترهقهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ – أي علامة - مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ) رواه مسلم (٨٦٩) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>